للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ريق. ولا تأثير لذلك، اللَّهم إلا إذا كان ثَمَّ إطعام شئ ضار، أو سقيه، أو إشمامه، أو مباشرة المسحور به على بعض الوجوه، ولكن الله عَزَّ وجَلَّ، قد يفعل عند ذلك فعلاً على سبيل الامتحان الذى يتميز به الثبت على الحق، من الحشوية والجهلة من العوام، فينسبه الحشو والرعاع إليهن وإلى نفثهن، والثابتون بالقول الثابت لا يلتفتون إلى ذلك ولا يعبأون به. فإن قلت: فما معنى الاستعاذة من شرِّهن؟ قلت: فيها ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يُستعاذ من عملهن الذى هو صنعة السحر ومن إثمهن فى ذلك.

والثانى: أن يُستعاذ من فتنتهن الناس بسحرهن وما يخدعنهم به من باطلهن.

والثالث: أن يُستعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن.

ويجوز أن يُراد بهن النساء الكيَّادات من قوله: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: ٢٨] تشبيهاً لكيدهن بالسحر والنفث فى العُقَد، أو اللاتى يفتنَّ الرجال بتعرضهن لهم وعرضهن محاسنهن، كأنهن يسحرنهم بذلك".

وفى الحق أن هذه محاولة عقلية عنيفة من الزمخشرى يريد من ورائها أن يحوِّل الحقائق التى ورد بوقوعها الكتاب والسُّنَّة. إلى ما يتناسب مع هواه وعقيدته. ولقد دهش ابن المنير من هذه المحاولة وحكم على الزمخشرى بأنه: "استفزَّه الهوى حتى أنكر ما عُرِف، وما به إلا أن يتبع اعتزاله، ويغطى بكفه وجه الغزالة".

* *

* انتصاره لمذهب المعتزلة فى حرية الإرادة وخلق الأفعال:

ولقد تأثر الزمخشرى برأيه الاعتزالى فى حرية الإرادة وخلق الأفعال، ولكنه وجد ما يصادمه من الآيات الصريحة فى أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى، فأراد أن يتفادى هذا التصادم ويعمل على الخروج من هذه الورطة الكبرى، فساعده على ما أراد هذا المعنى الذى تمسك به المعتزلة ونفعهم فى كثير من المواضع. وهو "اللُّطف" من الله، فباللُّطف منه تعالى يسهل عمل الخير على الإنسان، وبسلبه يصعب عليه عمل الخير.

هذا "اللُّطف" وما يتصل به من "التوفيق" ساعد الزمخشرى على الخروج من الضائقة التى صادفته عندما تناول بالتفسير تلك الآيات القرآنية الصريحة فى أن الله يخلق أفعال العباد خيرها وشرها، والتى يعتبرها أهل السُّنَّة سلاحاً قوياً لهم ضد هذه النظرية الاعتزالية.

ففى سورة آل عمران عند قوله تعالى فى الآية [٨] : {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} .. نجد الزمخشرى يستشعر من هذه الآية أن قلوب العباد بيد الله يقلبها كيف

<<  <  ج: ص:  >  >>