للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر والده قال: لما توجهنا من نوى، أخذته الحمّى، فلم تفارقه إلى يوم عرفة، ولم يتأوّه قطّ. قال: وذكر لي الشيخ، أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ، شرحا، وتصحيحا، درسين في «الوسيط» ودرسا في «المهذّب» ، ودرسا في «الجمع بين الصحيحين» ودرسا في «صحيح مسلم» ودرسا في «اللّمع» لابن جنّي، ودرسا في «إصلاح المنطق» لابن السّكّيت. ودرسا في التصريف، ودرسا في أصول الفقه، تارة في «اللّمع» لأبي إسحاق [١] ، وتارة في «المنتخب» لفخر الدّين. ودرسا في أسماء الرجال، ودرسا في أصول الدّين. وكنت أعلّق جميع ما يتعلق بها، من شرح مشكل، ووضوح عبارة، وضبط لغة. وبارك الله لي في وقتي، وخطر لي الاشتغال في علم الطب، فاشتريت كتاب «القانون» فيه، وعزمت على الاشتغال فيه، فأظلم على [٢] قلبي، وبقيت أيّاما لا أقدر على الاشتغال بشيء، ففكرت في أمري، من أين دخل عليّ الداخل، فألهمني الله أن سببه اشتغالي بالطبّ، فبعت «القانون» في الحال واستنار قلبي.

وقال الذهبيّ: لزم الاشتغال ليلا ونهارا نحو عشرين سنة، حتّى فاق الأقران، وتقدم على جميع الطلبة، وحاز قصب السبق في العلم والعمل، ثم أخذ في التصنيف من حدود الستين وستمائة إلى أن مات. وسمع الكثير من الرّضي بن البرهان، والزّين خالد، وشيخ الشيوخ عبد العزيز الحموي وأقرانهم. وكان مع تبحّره في العلم وسعة معرفته بالحديث، والفقه، واللغة، وغير ذلك مما قد سارت به الرّكبان، رأسا في الزّهد، وقدوة في الورع، عديم المثل في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، قانعا باليسير، راضيا عن الله والله راض عنه، مقتصدا إلى الغاية في ملبسه، ومطعمه، وأثاثه، تعلوه


[١] قوله: «لأبي إسحاق» سقط من «آ» .
[٢] لفظة «على» سقطت من «آ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>