للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣١٤ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ الْقَاسِمِ , عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَعْمَلَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ ⦗٦٧٤⦘ عَلَى حَضْرَمَوْتَ وَقَالَ لَهُ: «سِرْ مَعَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، يَعْنِي وَفْدَ كِنْدَةَ، فَقَدِ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَيْهِمْ» . فَسَارَ زِيَادٌ مَعَهُمْ عَامِلًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَضْرَمَوْتَ عَلَى صَدَقَاتِهَا، الثِّمَارِ، وَالْخُفِّ، وَالْمَاشِيَةِ، وَالْكُرَاعِ، وَالْعُشُورِ، فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا , فَكَانَ لَا يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ وَلَا يَقْصُرُ دُونَهُ ". فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، كَتَبَ إِلَى زِيَادٍ يُقِرُّهُ عَلَى عَمَلِهُ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُتَابِعَ مَنْ قِبَلَهُ، وَمَنْ أَبَى وَطِئَهُ بِالسَّيْفِ، وَيَسْتَعِينُ بِمَنْ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ أَدْبَرَ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ أَبِي هِنْدٍ الْبَيَاضِيِّ. فَلَمَّا أَصْبَحَ زِيَادٌ , غَدَا فَنَعَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ وَأَخَذَهُمْ بِالْبَيْعَةِ لِأَبِي بَكْرٍ وَبِالصَّدَقَةِ، فَامْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْ أَنْ يُعْطُوا الصَّدَقَةَ، وَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: إِذَا اجْتَمَعَ ⦗٦٧٥⦘ النَّاسُ فَمَا أَنَا إِلَّا كَأَحَدِهِمْ. وَنَكَصَ عَنِ التَّقَدُّمِ إِلَى الْبَيْعَةِ. فَقَالَ لَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ الْكِنْدِيُّ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَشْعَثُ، وَوِفَادَتَكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِسْلَامَكَ أَنْ تَنْقُضَهُ الْيَوْمَ، وَاللَّهِ لَيَقُومَنَّ بِهَذَا مِنْ بَعْدِهِ مَنْ يَقْتُلُ مَنْ خَالَفَهُ، فَإِيَّاكَ إِيَّاكَ، وَأَبْقِ عَلَى نَفْسِكَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَقَدَّمْتَ تَقَدَّمَ النَّاسُ مَعَكَ، وَإِنْ تَأَخَّرْتَ افْتَرَقُوا وَاخْتَلَفُوا. فَأَبَى الْأَشْعَثُ وَقَالَ: قَدْ رَجَعَتِ الْعَرَبُ إِلَى مَا كَانَتِ الْآبَاءُ تَعْبُدُ، وَنَحْنُ أَقْصَى الْعَرَبِ دَارًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، أَيَبْعَثُ إِلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ الْجُيُوشَ؟ فَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: إِي وَاللَّهِ، وَأُخْرَى , لَا يَدَعُكَ عَامِلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجِعُ إِلَى الْكُفْرِ. فَقَالَ الْأَشْعَثُ: مَنْ؟ قَالَ: زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ. فَتَضَاحَكَ وَقَالَ: أَمَا يَرْضَى زِيَادٌ أَنْ أُجِيرَهُ؟ , فَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: سَتَرَى، ثُمَّ قَامَ الْأَشْعَثُ فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَقَدْ أَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ مِنَ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْطِقَ بِالرِّدَّةِ وَوَقَفَ يَتَرَبَّصُ، وَقَالَ: نَقِفُ أَمْوَالَنَا بِأَيْدِينَا، وَلَا نَدْفَعُهَا، وَنَكُونُ مِنْ آخِرِ النَّاسِ. قَالَ: وَبَايَعَ زِيَادٌ لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الظُّهْرِ إِلَى أَنْ قَامَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْعَصْرَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ، ثُمَّ غَدَا عَلَى الصَّدَقَةِ مِنَ الْغَدِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَقْوَى مَا كَانَ نَفْسًا وَأَشَدُّهُ لِسَانًا، فَمَنَعَهُ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيُّ أَنْ يُصَدِّقَ غُلَامًا مِنْهُمْ، وَقَامَ فَحَلَّ عِقَالَ الْبَكَرَةِ الَّتِي أُخِذَتْ فِي الصَّدَقَةِ، وَجَعَلَ يَقُولُ:

مَلْمَعٌ كَمَا يَلْمَعُ الثَّوْبُ … يَمْنَعُهَا شَيْخٌ بِخَدَّيْهِ الشَّيْبُ

مَاضٍ عَلَى الرَّيْبِ إِذَا كَانَ الرَّيْبُ ⦗٦٧٦⦘

فَنَهَضَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ وَصَاحَ بِأَصْحَابِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى النُّصْرَةِ لِلَّهِ وَكِتَابِهِ، فَانْحَازَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى زِيَادٍ، وَجَعَلَ مَنِ ارْتَدَّ يَنْحَازُ إِلَى حَارِثَةَ، فَكَانَ زِيَادٌ يُقَاتِلُهُمُ النَّهَارَ إِلَى اللَّيْلِ، فَقَاتَلَهُمْ أَيَّامًا كَثِيرَةً. وَضَوَى إِلَى الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَتَحَصَّنَ بِمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ فِي النَّجِيرِ، فَحَاصَرَهُمْ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ وَقَذَفَ اللَّهُ الرُّعْبَ فِي أَفْئِدَتِهِمْ وَجَهَدَهُمُ الْحِصَارُ، فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: إِلَى مَتَى نُقِيمُ بِهَذَا الْحِصْنِ، قَدْ غُرِثْنَا فِيهِ وَغُرِثَ عِيَالُنَا، وَهَذِهِ الْبُعُوثُ تَقْدُمُ عَلَيْكُمْ مَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ، وَاللَّهِ لَلْمَوْتُ بِالسَّيْفِ أَحْسَنُ مِنَ الْمَوْتِ بِالْجُوعِ , وَيُؤْخَذُ بِرَقَبَةِ الرَّجُلِ فَمَا يَصْنَعُ بِالذُّرِّيَّةِ , قَالُوا: وَهَلْ لَنَا قُوَّةٌ بِالْقَوْمِ؟ ارْتَئِي لَنَا فَأَنْتَ سَيِّدُنَا. قَالَ: أَنْزِلُ فَآخُذُ لَكُمْ أَمَانًا تَأْمَنُونَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَمْدَادُ مَالَا قِبَلَ لَنَا بِهِ وَلَا يَدَانِ. قَالَ: فَجَعَلَ أَهْلُ الْحِصْنِ يَقُولُونَ لِلْأَشْعَثِ: افْعَلْ، فَخُذْ لَنَا الْأَمَانَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحْرَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى مَا قَبِلَ زِيَادٌ مِنْكَ. فَأَرْسَلَ الْأَشْعَثُ إِلَى زِيَادٍ: أَنْزِلُ فَأُكَلِّمُكَ وَأَنَا آمِنٌ؟ قَالَ زِيَادٌ: نَعَمْ. فَنَزَلَ الْأَشْعَثُ مِنَ النَّجِيرِ فَخَلَا بِزِيَادٍ , فَقَالَ: يَا ابْنَ عَمِّ , قَدْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ وَلَمْ يُبَارَكْ لَنَا فِيهِ، وَلِي قَرَابَةٌ وَرَحِمٌ، وَإِنْ وَكَّلْتَنِي إِلَى صَاحِبِكَ قَتَلَنِي , يَعْنِي الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ يَكْرَهُ قَتْلَ مِثْلِي، وَقَدْ جَاءَكَ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ يَنْهَاكَ عَنْ قَتْلِ الْمُلُوكِ مِنْ كِنْدَةَ، فَأَنَا أَحَدُهُمْ، وَإِنَّمَا أَطْلُبُ مِنْكَ الْأَمَانَ عَلَيَّ. فَقَالَ زِيَادٌ: لَا أُؤَمِّنُكَ أَبَدًا عَلَى دَمِكَ، وَأَنْتَ كُنْتَ رَأْسَ الرِّدَّةِ، وَالَّذِي نَقَضَ عَلَيْنَا كِنْدَةَ , فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، دَعْ عَنْكَ مَا مَضَى، وَاسْتَقْبِلِ الْأُمُورَ إِذَا أَقْبَلَتْ عَلَيْكَ، ⦗٦٧٧⦘ فَتُؤَمِّنُنِي عَلَى دَمِي وَأَهْلِي وَمَالِي , حَتَّى أَقْدُمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَيَرَى فِيَّ رَأْيَهُ , فَقَالَ زِيَادٌ: وَمَاذَا؟ قَالَ: وَأَفْتَحُ لَكَ النَّجِيرَ، فَأَمَّنَهُ زِيَادٌ عَلَى أَهْلِهِ وَدَمِهِ وَمَالِهِ، وَعَلَى أَنْ يَقْدُمَ بِهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ وَيَفْتَحَ لَهُ النَّجِيرَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَهَذَا أَثْبَتُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْ غَيْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>