فلبث فيهم حينا، ثم إنه أقبل بمزينة مغيرا على بني ذبيان، حتى إذا مزينة أسهلت وخلفت بلادها،
ونظروا إلى أرض غطفان، تطايروا راجعين وتركوه وحده، فذلك حيث يقول:
من يشتري فرساً كخير غزوُها ... وأبت عشيرةُ ربِّها أن تُسِهلا
وأقبل حين رأى ذلك من مزينة حتى دخل في أخواله بني مرة، فلم يزل في بني عبد الله بن غطفان
إلى اليوم.
وكان ورد بن حابس قتل هرم بن ضمضم المزني الذي يقول فيه عنترة:
ولقد خشيتُ بأن أموتَ ولم تكنْ ... للحرب دائرةٌ على ابَنْي ضمضمِ
قتله في حرب عبس وذبيان قبل الصلح، ثم اصطلح ولم يدخل حصين بن ضمضم أخوه في الصلح،
فحلف ألا يغسل رأسه حتى يقتل ورد بن حابس أو رجلا من بني عبس ثم من بني غالب، ولم يطلع
على ذلك أحدا، وقد حمل الحمالة الحارث أبو عوف بن أبي حارثة، وهرم بن سنان بن أبي حارثة.
فأقبل رجل من بني عبس ثم أحد بني مخزوم حتى نزل بحصين بن ضمضم، فقال: ممن أنت أيها
الرجل؟ قال: عبسي. قال: من أي عبس؟ فلم يزل ينتسب حتى انتسب إلى غالب، فقتله حصين،
وبلغ ذلك الحارث بن عوف، وهرم بن سنان، فاشتد ذلك عليهما، وبلغ بني عبس فركبوا نحو
الحارث، فلما بلغ الحارث ركوب بني عبس وما قد اشتد عليهم من قتل صاحبهم، - وإنما أرادت بنو
عبس أن يقتلوا الحارث - بعث إليهم بمائة من الإبل معها ابنه وقال للرسول: قل لهم: آللبن أحب
إليكم أم أنفسكم؟ فأقبل الرسول حتى قال لهم ما قال، فقال ربيع بن زياد: أن أخاكم قد أرسل إليكم
الإبل أحب إليكم أم ابنه تقتلونه؟ فقالوا: بل نأخذ الإبل ونصالح قومنا فيتم الصلح، فذلك قول زهير
حيث يمتدح الحارث بن عوف وهرم بن سنان.