وقال غيره: المعنى: بذلت لحم راحلتي لهن، فهن يطرحنه على النار.
والباء صلة يرتمين. ويرتمين يفتعلن من الرمي. والشحم منسوق على اللحم. والكاف في موضع
خفض لأنها نعت للشحم، كأنك قلت: وشحم مثل هداب، كما تقول: مررت برجل كالشمس، أي مثل
الشمس. والمفتل نعت للدمقس.
(ويَومَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ ... فقالَتْ لَكَ الوَيْلاَتُ إِنَّكَ مُرجِلِي)
اليوم منسوق على قوله: (ويوم عقرت)، يجوز فيه ما جاز فيه، وهو منصوب من قول قوم من
النحويين بفعل مضمر، كأنك قلت: واذكر يوم عقرت. والخدر منصوب بدخلت، وخدر عنيزة مترجم
عن الخدر الأول. وعنيزة مخفوضة بإضافة الخدر إليها، وكان ينبغي أن ينصبها بلا تنوين، لأنها لا
تُجرى، كما تقول نظرت إلى فاطمة وعائشة، ولكنه خفضها بتنوين لضرورة الشعر. وعنيزة هي
المرأة التي كانت حملته في هودجها فكان يحاول منها ما يحاول، فتمايل الهودج مرة به ومرة بها
فتقول له عند ذلك: لك الويلات إنك مرجلي.
قال ابن الكلبي: لا أعرف عنيزة. وقال الأصمعي: عنيزة لقب لفاطمة. وقال أبو نصر: عنيزة
امرأة. وقال ابن حبيب: إنما الرواية: (ويوم دخلت الخدر يوم عنيزة)، وقال: عنيزة: هضبة سوداء
بالشحر ببطن فلج. والدليل على أن عنيزة موضع قوله: (أفاطم مهلا).
وقوله: (لك الويلات) فيه قولان: أحدهما أن يكون دعاء منها عليه في الحقيقة، اذ كانت تخاف أن
يعقر بعيرها. والقول الآخر: أن يكون دعاء منها له في الحقيقة، كما تقول العرب للرجل إذا رمى
فأجاد: فاتله الله ما أرماه! قال الشاعر:
لك الويلاتُ أقدِمنْا عليهم ... وخير الطالبي الترةِ الغَشومُ
وقالت الكندية ترثي اخوتها:
هَوتْ أمُّهمْ ماذا بهم يوم صُرِّعوا ... ببَيْسانَ من إثباتِ مَجدٍ تصرَّما