للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما ترك للعقل فلا يخضع لميزان معتبر وإنما يرجع لقناعة هذا الشخص أو ذاك أو قناعة هذه الطائفة أو تلك، وهذا هو المعهود في المذاهب الفكرية والفلسفية والأدبية والفنية، حيث تجد تنوعها في البلد الواحد في باب واحد، ومع ذلك تجد لكل مذهب أتباعه. والمذهب لا يرتبط بالحق إلا بشهادتين أو بإحداهما، شهادة الوحي وشهادة الحس، فإذا فقدهما أو فقد إحداهما فهو يذهب كل مذهب كغيره مما يرتبط بالميول والرغبات، والمسلم قد أبدله الرب سبحانه عنها بهذا الدين الحق، فهذه المذاهب لا تنفعه بشيء ما لم تكن متوافقة مع هدي الله -سبحانه وتعالى-.

لكن الفرويديين أو من يعرض نظرية فرويد لا يعرضها في جانبها الفكري على أنها فلسفة رجل متأثر بتاريخه الخاص والتاريخ العام من حوله وأنه خاضع لأهوائه وأيدلوجيته؛ وإنما تعرض وكأنها من المسلمات في ميدان العلم، ويزداد الأمر قبحًا عند عرض موقفه من الدين، فإن إلحاد المرء لا يجعل له قدرة على فهم الدين، إن الإلحاد أيدلوجيا خطرة على المفكر تعمي بصره عن حقائق مثل عين الشمس، يكفيه أنه أنكر الذي لا يُنكَر وجحد من لا يُجحَد سبحانه، فكيف نثق برأيه في موضوع مثل الدين أو ما يرتبط به من عقائد وشرائع وقيم وأخلاق؟! ولعل من المناسب ذكر مقالة لأحد الباحثين في فكر فرويد، حول فرويد وأتباعه، حيث ذكر عن مشكلة فرويد في كتبه أنه "لا يفصل بوضوح طريقته عن عقيدته" (١)، كما يذكر مشكلة أتباعه وأنصاره أنهم "بصورة عامة، افتقدوا ما ينبغي لهم من الاستقلال العقلي. وإذا استثنينا عددًا قليلًا جدًا من الفرويديين، فإن هؤلاء ينسخون فرويد نسخ المستعبدين له" (٢)، والمشكلة في المتغربين العرب أشد وضوحًا في ظاهرة النسخ والاستعباد وأكثر إشكالًا بسبب ما ينتج عن هذا النسخ من مفاسد في تطورنا الثقافي والفكري والعلمي والحضاري.

نجد في النهاية نفس المشكلة تتكرر مع المتغربين في ميدان علم النفس تجاه الدين، فالدين كل الدين مصدره من الإنسان، وليس له علاقة بالرب سبحانه، يستوي في ذلك أديان الباطل التي منبعها الإنسان وأهواؤه مع دين الحق


(١) طريقة التحليل النفسي والعقيدة الفرويدية، رولان دالبير ص ٥.
(٢) المرجع السابق ص ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>