للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تماسكها الداخلي وإجرائيتها الخارجية، فلا يوجد اعتراض عليه عندما يطبق على ظواهر بشرية واجتماعية، فمن المسلم به أن كثيرًا من المجتمعات والطوائف تخلع المعجزات حول شخصيات مهمة وتصنع القصص الكثيرة حولهم، وانظر ما يوجد عند عوام الوثنيين وما يوجد من طوام عند غلاة المتصوفة، ولكن أركون كعادته لا يتوقف بمثل هذه المنهجيات عند حدودها بل هو من دعاة توسيعها وتطبيقها على الإِسلام، الدين الحق، دون تفريق بين المختلفات، لهذا نجده يطبق ما يصح على مقولات الدجالين والسحرة وما تختزنه ذاكرة الأمم التي انحرفت من معجزات مكذوبة، نجده يطبق ذلك على الإِسلام أيضًا، وذلك أنه حسب قناعته الشخصية أن هذه المعجزات لا يقبلها العقل العلمي ولكن يمكن للعقل العلمي أن يتفهم لماذا النفوس البشرية تقول بها وتتقبلها وتصدقها.

ومثل هذه التسوية هي المزلق الخطير، صحيح أن المعجزة ترتبط بالأنبياء -عليهم السلام- وبيننا وبينهم مسافة زمنية، ولكن ذلك قد نقل إلينا بالنقل الصحيح، فهي من الغيب لنا ولكن غيرنا قد شاهدها ونقلها إلينا، والعبرة هنا: هل صح بها النقل أم لا؟

أما أركون فهو ينطلق من مسلمة يريد فقط إثباتها، المسلمة عدم وجود المعجزات وخوارق الطبيعة الدينية، وكل ما هنالك هو لغة دينية "مرتبطة بالمنطق الشعري أكثر من ارتباطها بالمنطق العقلاني. إنها تغذي الخيال وتهزّ العاطفة أكثر مما تسجن "أو تحجز" القارئ في مقولات. . . . عقلية" (١).

وأختم هذه الظاهرة الإنكارية للمعجزات أو إهمالها بسبب هذا التصور الفلسفي والعلمي عن الطبيعة بحالةٍ وقعت مع مجموعة من الكتاب المتغربين ومن تأثر بهم، فقد وقع تحول بارز عند مجموعة من المتغربين منتصف القرن الرابع عشر/ العشرين في نوع الكتابة الفكرية، حيث ظهرت لهم كتابات عن السيرة النبوية، "على هامش السيرة" لطه حسين، "حياة محمَّد" لهيكل، "عبقرية محمَّد" للعقاد، وإن كان العقاد لا يُحسب على المتغربين، وقريبا من طريقة العقاد ما كتبه محمَّد فريد وجدي "السيرة النبوية تحت ضوء العلم والفلسفة" (٢).


(١) انظر: المرجع السابق ص ٢٠٧.
(٢) انظر حول هذه الكتب، القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون، الشيخ =

<<  <  ج: ص:  >  >>