للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك ملاحظة بارزة في هذه الكتابات حول السيرة النبوية، وهي تذبذبها حول معجزات نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وقد تناولها الشيخ مصطفى صبري بالنقد والكشف، فهم يهملون الحديث عن هذه المعجزات، أو يذكرونها ثم يؤولونها، أو ينكرونها، لعدم موافقتها للعلم والعقل، وبأنها لم ترد في القرآن، وأن معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت في القرآن فقط. ولا شك أن معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت في القرآن، فهو الذي ورد به التحدي في آيات، قال ابن كثير -رحمه الله- في مقدمة تفسيره: "عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" (١). . . . وفي هذا الحديث فضيلة عظيمة للقرآن المجيد على كل معجزة أعطيها نبي من الأنبياء، وعلى كل كتاب أنزله، وذلك أن معنى الحديث: ما من نبي إلا أعطي من المعجزات ما آمن عليه البشر؛ أي: ما كان دليلًا على تصديقه فيما جاءهم به واتبعه من اتبعه من البشر، ثم لما مات الأنبياء لم يبق لهم معجزة بعدهم إلا ما يحكيه أتباعهم عما شاهده في زمانه، فأما الرسول الخاتم للرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنما كان معظم ما آتاه الله وحيًا منه إليه منقولًا إلى الناس بالتواتر، ففي كل حين هو كما أنزل، فلهذا قال: "فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا"، وكذلك وقع، فإن أتباعه أكثر من أتباع الأنبياء لعموم رسالته ودوامها إلى قيام الساعة، واستمرار معجزته؛ ولهذا قال الله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)} [الفرقان: ١]، وقال -تعالى-: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} [الإسراء: ٨٨]، ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣)} [هود: ١٣]، ثم تحداهم إلى أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨)} [يونس: ٣٨]، وقصر التحدي على هذا المقام في السور المكية


= مصطفى صبري ص ٩ وما بعدها، وانظر حول هذا التحول التغريبي ما كتبه د. فهمي جدعان: أسس التقدم عند مفكري الإِسلام ص ٣٣٢ وما بعدها.
(١) البخاري برقم (٤٥٩٨) باب كيف نزل الوحي. . . . في كتاب فضائل القرآن، ومسلم برقم (٢١٧) باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. . . . في كتاب الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>