للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تكتب فتاويه ويكره أن ينقلها أصحابه عنه. قال أحمد بن الحسين بن حسان "قال رجل لأبي عبد الله أريد أن أكتب هذه المسائل فإني أخاف النسيان فقال أحمد بن حنبل لا تكتب فإني أكره أن أكتب رأيي" وأحس مرة بإنسان يكتب ومعه ألواح في كمه فقال لا تكتب رأيًا لعلي أقول الساعة بمسألة ثم أرجع عنها غدًا ويروى أن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني المتوفى سنة ١٧٤ قال "سألت أبا عبد الله عن مسائل نكتبها فقال أي شيء تكتب يا أبا الحسن فلولا الحياء منك ما تركتك تكتبها، وأنه علي لشديد والحديث أحب إلي منها قلت إنما تطيب نفسي في الحمل عنك. إنك تعلم أنه منذ مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لزم أصحابه قوم ثم لم يزل يكون للرجل أصحاب يلزمون ويكتبون قال من كتب؟ قلت أبو هريرة وكان عبد الله بن عمر (١) يكتب فقال لي فهذا الحديث فقلت له فما المسائل إلا حديث ومن الحديث تتشقق" وربما أنكر نسبة ما يكتب من فتاويه إليه أو يذكر الرجوع عنها تثبيطًا عن كتابتها. ولا يتراجع عن ذلك إلا في حالات خاصة كالتي وردت في المنهج الأحمد من أن أسحق بن منصور المروزي المتوفى سنة ٢٥١ نقل عن الإمام أحمد بن حنبل فلما أعلن الإمام أحمد رجوعه عن هذه المسائل جمع إسحاق تلك المسائل في جراب وحملها على ظهره وخرج راجلًا إلى بغداد وهي على ظهره وعرضها على أحمد واحدة واحدة فأقر له بها وأخذه العجب منه. مما يدل على أن إعلان الإمام أحمد الرجوع أو إنكاره نسبتها إليه لا يعود إلى خطأ وإنما المقصود به عدم حمل الناس على الالتزام بها لأنها اجتهاد منه ولأنه لم يكن يستجيز تدوين شيء إلا الكتاب والسنة سواء في ذلك فتاويه أو فتاوى غيره حتى وإن كان يقدرهم تقديرًا كبيرًا كعبد الله بن المبارك والشافعي. وكان له في هذا نظر نافذ وحكمة بالغة وإن لم يأخذ الناس بذلك فجمعوا آراءه وجعلوها أصلًا للفقه الحنبلي.

كما يلحظ أن الإمام أحمد رحمه الله لم يكن يحدث ابتداءً، ولم يكن هو الذي يستهل الدرس. وإنما كان يرد على الأسئلة. فإذا لم يسأله أحد لم يتكلم. روى ابن الجوزي عن أبي حاتم الرازي "أتيت أحمد بن حنبل في أول ما التقيت به في سنة


(١) هكذا جاء بالأصل "المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وهو مخطوط بدار الكتب المصرية وأصل صحتها عبد الله بن عمرو لأنه هو الذي كان يكتب وكان يطلق على صحيفته الصادقة

<<  <  ج: ص:  >  >>