للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القادرين الذين يضعفون عن العلم، بل هو أفضل في حق من لا يتحقق أمر الجهاد إلا بهم، أو يعظم بلاؤهم فيه حتى مع القدرة على العلم. فيراعى في هذا الجانب، حال العامل في نفسه والأحوال العامة المؤثرة في ترجيح عمل على آخر، بحسب ما يتحقق بذلك من المصالح العامة والخاصة.

ومن هنا يظهر الفرق بين الأصل الأول، والذي مدار البحث فيه على النظر المجرد للعمل ودرجته في الفضل من حيث الجملة على ما تقدم في البحث وبين هذا الأصل الذي تراعى فيه أحوال العاملين عند المفاضلة بين الأعمال في حقهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية مقررا هذا الأصل:

«وهنا أصل ينبغي أن نعرفه: وهو أن الشيء إذا كان أفضل من حيث الجملة، لم يجب أن يكون أفضل في كل حال، ولا لكل أحد، بل المفضول في موضعه الذي شرع فيه، أفضل من الفاضل المطلق. وكذلك أكثر الناس يعجزون عن أفضل الأعمال، فلو أمروا بها لفعلوها على وجه لا ينتفعون به، أو ينتفعون انتفاعا مرجوحا، فيكون في حق أحد هؤلاء العمل الذي يناسبه وينتفع به أفضل له مما ليس كذلك». (١)

ويقول في موطن آخر: «وقد يكون العمل المفضول أفضل بحسب حال الشخص المعين، لكونه عاجزا عن الأفضل، أو لكون محبته ورغبته واهتمامه وانتفاعه بالمفضول أكثر، فيكون أفضل في حقِّه، لما يقترن به من مزيد عمله وحبه وإرادته وانتفاعه، كما أن المريض ينتفع بالدواء الذي يشتهيه ما لا ينتفع بما لا يشتهيه، وإن كان جنس ذلك أفضل». (٢)

ويقول أيضا: «وقد يكون بعض الناس انتفاعه بالمفضول أكثر بحسب حاله، إما لاجتماع قلبه عليه، وانشراح صدره له، ووجود قوته له، مثل من يجد ذلك في الذكر أحياناً دون القراءة، فيكون العمل الذي أتى به على الوجه الكامل، أفضل في حقه من


(١) مجموع الفتاوى (٢٤/ ٢٣٦).
(٢) مجموع الفتاوى (٢٤/ ١٩٨).

<<  <   >  >>