للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ (١): (عَيْبَةٌ مَكْفُوفَةٌ): أُشْرِجَتْ عَلَى مَا فِيهَا، وَفِي الحَدِيثِ: (وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ عَيْبَةً مَكْفُوفَةٌ) (٢) كَأَنَّهُ جَعَلُوا الذُّحُولَ فِي وِعَاءِ، وَأَشْرجُوا عَلَيْهَا.

وَفِي الحَدِيثِ (٣): جَوَازُ التَّكْفِينِ فِي ثَوْبِ وَاحِدٍ عِنْدَ عَدَمٍ غَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ سَتْرُ العَوْرَةِ، وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ النَّبِيُّ لَهُمَا التَّكْفِينَ فِي تِلْكَ الثِّيَابِ الَّتِي لَيْسَتْ بِسَابِغَةٍ لِأَنَّهُمَا فِيهَا قُتِلَا، وَفِيهَا يُبْعَثَانِ، يَعْنِي: حَمْزَةَ وَمُصْعَبًا .

وَفِي ذِكْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَالَهُمَا وَحَالَ نَفْسِهِ، دَلَالَةٌ أَنَّ العَالِمَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرَ سِيَرَ الصَّالِحِينَ، وَتَقَلُّلَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا، لِتَقِلَّ رَغْبَهُ فِيهَا.

وَفِي قَوْلِهِ: (ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ)، إِنَّمَا كَانَ يَبْكِي شَفَقًا أَنْ لَا يَلْحَقَ بِمَنْ تَقَدَّمَهُ، وَحُزْنًا عَلَى تَأَخُّرِهِ عَنْهُمْ.

وَفِيهِ دَلَالَةٌ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَذَكَّرَ نِعَمَ اللَّهِ عِنْدَهُ، وَيَعْتَرِفَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ أَدَاءِ شُكْرِهَا، وَيَتَخَوَّفَ أَنْ يُقَاصَّ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَيُذْهَبَ بِتَنَعُّمِهِ فِيهَا.

وَقَوْلُهُ (فَهُوَ يَهْدِبُهَا) (٤) يُقَالُ: هَدَبْتُ الثَّمْرَةَ: أَيْ قَطَفْتُهَا.


(١) ينظر: العين للخليل بن أحمد (٢/ ٢٦٣)، وتهذيب اللغة للأزهري (٩/ ٣٣٧)، والذُّحول: جمع الذَحْل، وهو المقَابَلة بما جُنِي عليك كما في مجمل اللغة (ص: ٢٣٧).
(٢) أخرجه أحمد في المسند (٤/ ٣٢٣)، وأبو داود (رقم: (٢٧٦٨)، والبيهقي في الكبرى (٩/ ٢٢١) من طريق محمَّد بن إسحاقَ عن الزُّهْري عن عُروة بن الزُّبير عن الْمِسْور بن مخرمة ومروان بن الحكم به وفيهِ قِصَّة الحُدَيبية.
قلت: سَنَدُه حَسَنٌ، وقد صَرَّح ابن إِسْحاق بالتَّحْدِيث في روايةِ البَيْهقي.
(٣) حديث رقم: (١٢٧٤) في باب الكفن من جميع المال.
(٤) حديث (رقم: (١٢٧٦) في باب: "إذا لم يجد كَفَنًا إِلا مَا يُوَارِي بِهِ رَأْسَه".

<<  <  ج: ص:  >  >>