للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَطَعَنَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ فِي أَهْلِ النَّقْلِ وَالرِّوَايَةِ، وَقَالُوا: لَمْ يَحُجّ النَّبِيُّ بَعْدَ وُجُوبِ الحَجِّ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً، ثُمَ بَعْضُهُمْ يَرْوِي أَنَّهُ أَفْرَدَ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي أَنَّهُ قَرَنَ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِي أَنَّهُ تَمَتَّعَ، قَالُوا: فَكَيْفَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ (١)؟.

وَالجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ: لِجَوَازِ إِضَافَةِ الفِعْل إِلَى الآمِرِ بِهِ، وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ مِنْهُمُ الْمُفْرِدُ وَالقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ، فَجَازَ أَنْ يُضَافَ كُلُّهُ إِلَيْهِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا، وَأَذِنَ فِيهَا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ سَمِعَهُ يَقُولُ: (لَبَيْكَ بِحَجٍّ)، فَحَكَى أَنَّهُ أَفْرَدَ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَعُمْرَةٍ)، فَلَمْ يَحْكِ إِلَّا مَا سَمِعَ، وَهُوَ [رِوَايَةُ] (٢) عَائِشَةَ، وَوَعَى غَيْرُهَا الزِّيَادَةَ فَرَوَاهَا؛ وَهُوَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ حِينَ قَالَ: سَمِعْتُ


(١) قلت: ذكر معنى هذا الكلام الخطابي في "معالم السنن" (٢/ ١٦٠)، وقد أجابَ أئمَّةُ الحديثِ هَذه الشُّبْهة بِعِدَّة أجْوِبَةٍ، يَتَبَيَّن منها أنَّ الأَحادِيثَ في ذَلِكَ مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَعْنَى وَاللَّهِ الحَمْدُ، فَمِنْ ذَلِك زِيادةً على مَا ذَكَره قِوامُ السُّنَّة التَّيمِيُّ هنا:
أ - أَنَّ الكذبَ إنَّما يقعُ فيمَا طريقُه النَّقلُ عنه، وهُمْ إنَّما استدلُّوا على مُعتقدِهِم بما ظهرَ لهم.
ب - أنَّه قد يكونُ أمَرَ بعضَ الصَّحابة بالإفرادِ، وبَعضَهم بالتَّمتُّع، وبعضَهم بالقِران.
وما أروعَ ما قَالَه العَلَّامةُ ابن القَيِّم في كتابِه الفَدِّ "زاد المعاد في هدي خير العباد" (٢/ ١٢١): "ومَنْ تأمَّل ألفاظَ الصَّحَابَة، وجَمع الأحَادِيثَ بعضَهَا إلى بَعضٍ، واعتَبَر بَعضَها بِبعضٍ، وفَهِمَ لُغَةَ الصَّحابَة، أسْفَر لَه صُبح الصَّواب، وانقَشَعَتْ عنهُ ظُلمةُ الاخْتِلَافِ والاضْطِرَابِ".
وينظر للمزيد في المسألة: معالم السنن للخطابي (٢/ ١٦١ - ١٦٢)، والمجموع للنووي (٧/ ١٥٩) ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (٢٦/ ٦٦ - ٧٤).
وقد كتب الدّكتور عبد السّلام السّحيمي بحثًا نَفِيسًا، حَرَّر فيه هذّا الموضُوع، بعُنوان: (القَولُ الحقُّ في نُسُك الحَجِّ الَّذِي أحْرَم بهِ خَيْرُ الخَلْق)، ونُشِر في مجلَّة البحوث الإسلامية العدد (٥٩) (ص: ١٩٧ - ٢٦٦).
(٢) زيادة يقتضيها سياق الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>