للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرِيبٌ مِنْ عِبَارَتِهِ قَوْلُ الإِمَامِ الطَّحَاوِيِّ فِي عَقِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ: "وَلَا نَرَى الخُرُوجَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَوُلَاةِ أُمُورِنَا وَإِنْ جَارُوا، وَلَا نَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِمْ، وَنَرَى طَاعَتَهُمْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ ﷿ فَرِيضَةً، مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةٍ، وَنَدْعُوا لَهُمْ بِالصَّلَاح وَالْمُعَافَاةِ" (١).

وَهَذِهِ العَقِيدَةُ السَّلَفِيَّةُ أَصْلٌ أَصِيلٌ مَيَّزَ مَنْهَجَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ طَوَائِفِ البِدَعِ؛ بَلْ لَا يَكَادُ يَخْلُو مُصَنَّفٌ فِي أَبْوَابِ الْاِعْتِقَادِ مِنْ تَقْرِيرِهِ وَبَيَانِهِ، وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَهَمَّيتِهِ وَخَطَرِهِ.

وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي قَوَاعِدِ الإِسْلَامِ الكُلِّيَةِ أَنَّهُ لَا دِينَ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ، وَلَا جَمَاعَةَ إِلَّا بِإِمَامَةٍ، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُ الإِمَامَةِ إِلَّا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَبِصَلَاحِ الأُمَرَاءِ وَطَاعَتِهِمْ صَلَاحُ العِبَادِ وَالبِلادِ، وَبِالطَّعْنِ فِيهِمْ، وَالاِفْتِيَاتِ عَلَيْهِمْ فَسَادُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعًا.

وَإِنَّمَا أَوْجَبَتِ الشَّرِيعَةُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ، وَنَهَتْ عَنِ الخُرُوج عَلَيْهِمْ سَدًّا لِذَرِيعَةِ اسْتِشْرَاءِ الفَسَادِ، وَحَقْنًا لِدِمَاءِ الأَبْرِيَاءِ الْمَعْصُومِينَ، وَصَوْنًا لِأَعْرَاضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، يَقُولُ العَلَامَةُ ابْنُ القَيِّمِ: "نَهْيُهُ عَنْ قِتَالِ الْأُمَرَاءِ وَالخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّةِ - وَإِنْ ظَلَمُوا أَوْ جَارُوا - مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ، سَدًّا لِذَرِيعَةِ الفَسَادِ العَظِيمِ، والشَّرِّ الكَثِيرِ بِقِتَالِهِمْ كَمَا هُوَ الوَاقِعُ؛ فَإِنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ قِتَالِهِمْ وَالخُرُوجِ عَلَيْهِمْ مِنَ الشُّرُورِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَالأُمَّةُ فِي بَقَايَا تِلْكَ الشَّرُورِ إِلَى الآنَ" (٢).

وَرَحِمَ اللهُ ذَهَبِيَّ العَصْرِ الشَّيْخَ الْمُعَلَّمِيَّ اليَمَانِي إِذْ يَقُولُ : "وَقَدْ جَرَّبَ


(١) شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (ص: ٣٧١).
(٢) إعلام الموقعين عن رب العالمين (٥/ ٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>