للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ هَادَنَ قُرَيْشًا عَامَ الحُدَيْبِيَّةِ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ نَقَضَتْ قُرَيْشٌ العَهْدَ بِمَعُونَةِ أَخْلَافِهِمْ مِنْ بَنِي بَكْرٍ عَلَى قِتَالِ أَحْلَافِ رَسُولِ اللهِ مِنْ خُزَاعَةَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ سَنَةَ ثَمَانٍ حِينَ فَتَحَ مَكَّةَ، وَكَانَ صُلْحُ الحُدَيْبِيَّةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَعُمْرَةُ القَضِيَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ، وَكَانَ هَذَا الصُّلْحُ عَظِيمَ البَرَكَةِ، أَسْلَمَ بَعْدَهُ أَكْثَرُ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ (١): إِنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ بِقُوَّةِ عَدُوٍّ عَلَيْهِمْ - وَأَرْجُو أَنْ لَا يُنْزِلَهَا اللهُ بِهِمْ - هَادَنَهُمُ الإِمَامُ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى مُدَّةٍ يَرْجُو إِلَيْهَا القُوَّةَ عَلَيْهِمْ، لَا تُجَاوِزُ مُدَّةَ أَهْلِ الحُدَيْبِيَّةِ الَّتِي هَادَنَهُمْ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ، وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ.

قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ (٢):

لَا يَخْلُو حَالُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ إِرَادَةِ الهُدْنَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

* إِحْدَاهَا: أَنْ تَكُونَ لَهُمْ قُوَّةٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْمُوَادَعَةِ مَنْفَعَةٌ، فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُهَادِنَهُمْ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَدِيمَ جِهَادَهُمْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ (٣).


= وقوله: (وَكَانُوا نَحْوَ سَبْعَ مِائَةِ رَجُلٍ) قال ابن حجر في فتح الباري (٧/ ٤٤٠): "وَأَمَّا قولُ ابن إسحاق مِن أنَّهم كانوا سَبْعَمائة، فلم يُوَافَق عليه، لأنَّه كان اسْتِنْبَاطًا مِن قول جابر: (فَنَحَرْنَا البُدْنَ عَنْ عَشَرَةٍ)، وكانوا نَحَرُوا سَبْعين بدَنة، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنْحَرُوا غَيْرَ البُدْنِ، مَع أَنَّ بَعْضَهم لَمْ يَكُن مُحرِما أصلا".
(١) ينظر: الأم للشافعي (٤/ ١٨٩).
(٢) ينظر: الحاوي الكبير للماوردي (١٤/ ٣٥١)، وبحر المذهب للروياني (١٣/ ٣٩٨).
(٣) سورة آل عمران، الآية: (١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>