للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ العُرْفُ العَامُّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ عُرْفُ جَمِيعِ النَّاسِ فِي جَمِيعِ الأَرْضِ، لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِهِ بَعْضَهُمْ فِي بَعْضٍ الأَرْضِ، وَاحْتِيجَ إِلَى مَعْرِفَةِ مَنْ خُوطِبَ بِهِ مِنَ النَّاسِ، وَمَعْرِفَةِ مَا أُرِيدَ بِهِ مِنَ البِلَادِ، وَكَانَ أَحَقَّ النَّاسِ بِتَوَجُّهِ الخِطَابِ إِلَيْهِمُ العَرَبُ، لِأَنَّهُمُ السَّائِلُونَ وَالْمُجَابُونَ، وَأَحَقُّ الأَرْضِ بِهِ بِلَادُهُمْ، لِأَنَّهَا أَوْطَانُهُمْ، وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَسْتَطِيبُونَ وَيَسْتَخْبِثُونَ بِالضَّرُورَةِ وَالاخْتِيارِ، فَيَسْتَطِيبُ أَهْلُ الضَّرُورَةِ مَا يَسْتَخْبِثُهُ أَهْلُ الاخْتِيارِ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ عُرْفُ أَهْلِ الاخْتِيَارِ دُونَ أَهْلِ الضَّرُورَةِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِ الضَّرُورَةِ عُرْفٌ مَعْهُودٌ" (١).

وَقَدْ فَصَّلَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ مَبَاحِثِ العُمُومِ وَالخُصُوصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ البُيُوعِ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ العُلَمَاءِ رحمهم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ (٢)، وَأَظْهَرَ قُوَّةَ عَارِضَتِهِ وَمُشَارَكَتَهُ فِي عِلْمٍ أُصُولِ الفِقْهِ، وَاعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَةَ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ المُرَتَّبِ، فَذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الآيَةَ تَحْتَمِلُ خَمْسَةَ مَعَانٍ، فَذَكَرَهَا مُجْمَلَةً، ثُمَّ أَعَادَ تَفْصِيلَهَا وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ، وَبَيَّنَ وَجْهَ كُلِّ احْتِمَالٍ مِنْهَا.

قَالَ : "فَالآيَةُ تَحْتَمِلُ خَمْسَةَ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: العُمُومُ، وَالثَّانِي: الإِجْمَالُ، وَالثَّالِثُ: إِنَّهَا عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الخَاصُّ، وَالرَّابِعُ: إِنَّهَا تَحْتَمِلُ الإِجْمَالَ، وَتَحْتَمِلُ العُمُومَ الَّذِي دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ، وَالخَامِسُ: أَنَّهُ أَبَاحَ كُلَّ بَيْعِ إِلَّا مَا سَيُحَرِّمُهُ النَّبِيُّ فِي التَّالِي … " (٣).


(١) (٥/ ١٣٠) من قسم التحقيق.
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٧٥).
(٣) ينظر: (٤/ ٦٠ - ٦٢) من قسم التحقيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>