للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَكَلَّمَ فِيهِ أَبو خَيْثَمَةَ كَمَا حَكَى ابْنُهُ، قَالَ: "وَخَرَجْنَا سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ إِلَى مَكَّةَ، فَقُلْتُ لِأَبِي: عَمَّنْ أَكْتُبُ؟ قَالَ: لَا تَكْتُبْ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ، وَاكْتُبْ عَمَّنْ شِئْتَ! " (١).

وَاسْتَغْرَبَ الذَّهَبِيُّ قَوْلَ أَبِي خَيْثَمَةَ هَذَا، فَعَلَّقَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "مَا أَدْرِي مَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي خَيْثَمَةَ لابْنِهِ: لَا تَكْتُبْ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ وَاكْتُبْ عَمَّنْ شِئْتَ؟ " (٢).

ثُمَّ وَجَّهَ كَلَامَهُ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ، فَقَالَ: "أَظُنُّهُ نَهَاهُ عَنْهُ لِدُخُولِهِ فِي القَضَاءِ وَالمَظَالِمِ، وَإِلَّا فَهُوَ ثِقَةٌ نَادِرُ الغَلَطِ، كَبِيرُ الشَّأْنِ" (٣).

وَتَوْجِيهُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَفْسِيرِ الإِمَامَيْنِ: أَبِي الوَلِيدِ البَاجِيِّ، وَالقَاضِي عِيَاضٍ ، إِذْ بَيَّنَا أَنَّ سَبَبَ تَجْرِيح أَبِي خَيْثَمَةَ النَّسَائِيِّ لِأَبِي مُصْعَبٍ لَا يَرْجِعُ إِلَى رِوَايَتِهِ وَعَدَالَتِهِ، أَوْ حِفْظِهُ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ أَمْرًا آخَرَ، قَالَ الْبَاجِيُّ : "وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ أَبَا مُصْعَبٍ كَانَ مِمَّنْ يَمِيلُ إِلَى الرَّأْيِ، وَيَرْوِي مَسَائِلَ الْفِقْهِ، وَأَهْلُ الحَدِيثِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا نَهَى زُهَيرٌ ابْنَهُ عَنْ أَنْ يَكْتُبَ عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ الرَّأْيَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِلَّا فَهُوَ ثِقَةٌ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَهُ إِلَّا بِخَيْرٍ" (٤).

وَقَالَ القَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ حِكَايَتِهِ قَوْلَ أَبِي خَيْثَمَةَ: "وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ، لِأَنَّ أَبَا مُصْعَبٍ كَانَ يَمِيلُ إِلَى الرَّأْيِ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ، وَمِمَّنْ يُنَافِي


(١) تاريخ ابن خيثمة (٢/ ٣٧٢).
(٢) ميزان الاعتدال (١/ ٨٤).
(٣) سير أعلام النبلاء (١١/ ٢١٧).
(٤) التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح (١/ ٣٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>