وأما من عرف سيرة الخير وعلو مرتبته فهو لا محالة يختار لنفسه أفضل السير وأكرم الخيرات فلا يؤثر اللذات البهيمية ولا اللذات الخارجة عن نفسه فإنها عرضية كلها ومستحيلة ومنحلة لكنه يختار لها أتم الخيرات وأعلاها واعظمها وهو الخير الذي لها بالذات أعني الذي ليس بخارج عنها وهو الذي ينسب إلى جزئه الإلهي ومن سار بهذه السيرة وأختارها لنفسه فقد أحسن إليها وأنزلها في الشرف الأعلى وأهلّها لقبول الفيض الإلهي واللذة الحقيقية التي لا تفارقه أبدا. وإذا كان بهذه الحال فهو لا محالة يفعل سائر الخيرات الأخر وينفع غيره ببذل الأموال والسماحة بجمع ما يتشاح الناس عليه ويخص أصدقاءه من ذلك بكل ما يضيق عنه ذرع أصحاب السير الباقية فيصير معظما عند كل واحد ولا سيما عند صديقه. وقد بينا فيما تقدم ان الإنسان مدني بالطبع وشرحنا ومن كان تمامه عند غيره فمن المحال أن يصل مع الوحدة والتفرد إلى سعادته التامة.
الأصدقاء: فالسعيد إذا من اكتسب الأصدقاء واجتهد في بذل الخيرات لهم ليكتسب بهم مالا يقدر أن يكتسبه لذاته فيلتذ بهم أيام حياته ويلتذون أيضا به.
وقد شرحنا حال هذه اللذة وأنها باقية إلهية غير منحلة ولا متغيرة وهؤلاء في جملة الناس قليلون جدا. وأما أصحاب اللذات البهيمية والنافع فيها فكثيرون جدا وقد يكتفي من هؤلاء بالقليل كالأبازير في الطعام وكالملح خاصة.