للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المدام وسماع الأنغام ومغازلة الغزلان ومعاقرة الندمان وإحياء الليل عمر ثان فإذا نام واستراح امتد نومه إلى الصباح فلا يوقظه إلا عياط الوزير وصراخ ذلك الصائح النذير فلما طال عليه المطال وغلب عليه من ذلك الملال أرصد للوزير في الطريق من منعه عن التبكير بالتعويق فتصدى له الرصد وأعروا رأسه والجسد وأخذوا قماشه وسلبوا رياشه فرجع إلى بيته مكرهاً ولبس ثياباً غيرها فأبطأ في ذلك اليوم وتخلف في الخدمة عن القوم ولم يجيء إلا وقد استيقظ كسرى من النوم وهو جالس في صدر الإيوان وحواليه مباشر والديوان وسائر الوزراء والأركان وعامة الجند والأعوان كل في مقامه ضابط زمامه فأدى بزر جمهر وظائف الخدمة على عادته ووقف في مكانه مع جماعته فقال كسرى ما دعا مولانا الوزير في هذا اليوم المنير إلى التخلف والتأخير وترك التبكير وإنشاده بالتبكير قول الشاعر الكبير:

بكرا صاحبي قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التبكير

فقال إن الحرامي عارضني أمامي وقصدني في ظلامي فأخذ شاشي وسلبني قماشي ورياشي فرجعت إلى كناسي وجددت زينتي ولباسي فهذا سبب تأخيري وعدم تبكيري وموجب تخلفي عن وعظي وتذكيري فقال كسرى ما أفادك التذكير إلا الغرامة في التبكير ولولاه ما سلب القماش ولا ذهب الرياش ولا قام الحرامي بالمعاش فأين الفلاح في القيام قبل الصباح فقال بزرجمهر في الحال وقد أصاب في الجواب ليس ذلك كذلك يا إمامي وإنما بكر قبلي الحرامي ولم أباكر أنا بالنسبة إليه فرجع فائدة تبكيره مني عليه فعجب كسرى من خطابه وسرعة بديهته في جوابه

<<  <   >  >>