للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لازدياد المألوف نزلت ألوفهم إلى الواحد من الآحاد فاستولى عليهم لذلك الهموم والإنكاد فتكدرت خواطرهم واشتغلت ضمائرهم وأما أنا فلم أعلم أن ألفى نقص ولا جاري حلبة مداه نكص فإذا عدا غايته ألزمته نهايته وكبحث جامح طرفه وكففت طامح طرفه طلباً للراحة ورغبة في الاستراحة:

فكم دقت ورقت واسترقت ... فضول العيش أعناق الرجال

(وإنما) أوردت هذا التمثيل لتعلم يا ذا التفضيل أني ما دمت له خادماً وفي وصف الخدمة قائماً ولم أتعد طوري وهو مقام الخادمية إلى ما ليس لي وهو مقام المخدومية فأنا مستريح ولغيري مريح ونفسي مطمئنة وجوارحي عن طيش السعي مرجحنه وأصحابي أحبابي وأحبابي أصحابي والخواطر صافيه والمحبة وافيه والصداقة باقية ومياه المودة في رياض الأرواح صافيه وفي عروق الأشباح واقفة جاريه فإذا رمت مع وجود هذه الحسنى الزيادة وقصدت التعدي إلى ما ليس له به عاده فأنا بين أمرين متقلب على جمرتين أما عدم الحصول والانقطاع عن الوصول فتتضاعف المكدات وتترادف المقسمات وبحسبها تصل الهموم وتحصل الغموم كما مر سالفاً وذكر آنفاً وأما الظفر بالمراد على حسب ما يراد فبقدر ذلك يقع الصداع ويقوم التحاسد والنزاع وأول ذلك معاداة الأصحاب ومعاناة الأحباب ومقاسات الأتراب وحصول الضغائن وبروز المكامن بواسطة الترفع عليهم وصدور المراسم والتقدم بامتثالها إليهم فالأولى بحالي التفكر في مآلي واللائق بشورى أن لا أتعدى طوري ولا أتورط في هذا البحر العميق والبئر العميق ولا أخرج عن سواء الطريق فتهوي بي طير الهوان في مكان سحيق:

وإني يسار خائف أن يردني ... زماني بما لاقى يسار الكواعب

<<  <   >  >>