(وإنما أوردت) هذا التنظير أيها الصاحب البصير لفائدتين جليلتين عظيمتين إحداهما الإعلام بالتحقيق إن العدو العتيق لا يتأتى منه صديق ثانيتهما الإعلام بان الواجب على الحكام أن لا يعجلوا بالانتقام فربما يورثهم الاستعجال الندامة في المآكل في حالة لا يفيد العذل والتنفيذ وعند ذلك لا يمكن التدارك بل إذا نقل إليهم وأورد عليهم ما يثير الغضب ويحمي سن نار السخط اللهب لا يفلتون زمام التثبيت والتفكر من أنامل التأني والتدبر خصوصاً السلاطين والملوك الأساطين فان قدرتهم واسعة وأطراف أوامرهم شاسعة وأوهاق اختيارهم طويلة ومراعي المراد لمرامهم منيله وآدان الكون لأوامرهم سميعة وعين المكان لمراسيمهم مراقبة مطيعة فمهما أرادوا من النفع أوصلوا ومهما اختاروا من الضر فعلوا وذلك في كل حسن ممسين أو مصبحين ولذلك قالوا القاضي لا يحكم حكماً إلا وهو راضي ولا يحكم وهو غضبان وهو مشغول الخاطر ولا غرثان فان وجدوا طريقاً إلى الخير بادرواإليه وإذا قصدوا إيقاع شر توقفوا لديه ولا يهملوه بل يسبروا غوره إلى أن يقفوا عليه فربما يكون من مداخله عدوا أو حاسد بتعاطي من له غرض فاسد ثم أعلم يا ذا التبصرة والتذكرة أنه من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره فلما وعى يسار هذا الحوار قال ما أزهى هذه النصائح وأزكى ما لها من روائح وأنا أقبل عليها وأقبلها ولا يزال مرتشف سمعي مقبلها وعلى ذلك أعاهدك ومهما رأيت غيره أعاقدك فانه للملك المصلحة وللملك زين ومسلحة وأيضاً فاشترط ما بدا لك مما يزين حالك ويصون مالك ومآلك