(قال) كان في مدينة بغداد صانع حرير أستاذ خبير له جارسني الجوار وزوجة تخجل البدر عند الكمال والشمس قبل الزوال وذاك الجار الجاني يدعى ابن الفرغاني ففي بعض مطارده لمح زوجة جاره فتعلق قلبه بها واشتغل من هواها نار أحشائه بهبوبها فأخذ يلهو بها إلى أن أفسدها وإلى الضلال أرشدها وكان الزوج
مغرماً بها فوجد على حالها منبهاً فصار يراقبها من كلفه ولا يغفل عنها لشدة شغفه ويجتهد فيكفها عن الخيانة وأن تحفظ الغيب وتؤدي الأمانة ففي بعض الأوقات رأى في بعض الطرقات صياداً ومعه طير أوثق رجليه بسير فسأله عن طيره وإلى أين قصده في سيره فقال هذا من الجوارح السوانح لا البوارح يحاكي الصوادح ويباكي النوائح وفيه سر عجيب وأمر غريب وهو أنه إذا كان في بيت ورأى فيه على صاحبه كيت وكيت أخبر زوجها خبره وقص عجره ويجره وقد رغب فيه رئيس يشتريه فأنا ذاهب به إليه أقدمه لديه وامتن به عليه فرغب فيه الحريري واشتراه وأتى به إلى داره وقال لزوجته أكرمي مثواه وأحسني مأواه فانه يخبر بكل ما رآه وهو من أحسن صفاته وأعجب أموره وحكاياته ومهما فعلت زوجة الإنسان ذكره على وجهه كما كان فقالت نحن بحمد الله في بركه آمنون مما ينقل عنا من حركه فان رأى شيأ يهوله لا يكتمه عنا بل يقوله فتركه إلى الزوج وذهب فدخل الحريف الملتهب فرأى المرأة وحدها والطير عندها فأخذ في المهارشه ومديدة للمناوشة فقالت كف يدك واحفظ الذمام فانه قد حصل علينا رقيب نمام فكف يدك يا حبيب لئلا نصاب ولا نصيب وتفكر في قول الشاعر المصيب:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل على رقيب