للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لا ما ولا فاء ولا ظا فلما وقف الدب على جوابه وربطه بزمام تدبيره اختلى به وقال تعلم أيها الصديق المبين أن ملكنا في غاية العفة والدين وأعلى درجات العباد والزاهدين قد فطم نفسه عن الطعوم خصوصاً عن الدماء واللحوم ولكنه في ذلك كله غير معصوم فانه قد تربى بلحم الحيوان وتغذى بافتراس الأقران وتعد رضع الدماء وقطعت سرته على هذا الغذاء وتزهده إنما هو تكلف وتعسف وتصلف وتعففه مكابرة وتورعه مصابره ولا بد للنفس أن تفعل خاصيتها وتجذب شهواتها إليها ناصيتها وتطمح إلى مأزرها وتجمح إلى مركزها وقال الله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله وإذا كان ذلك كذلك فاحتفظ لنفسك واحفظ نصيحتي وأمسك وتفكر أحوال غدك في أمسك فانك في صحبة الأسد على خطر عظيم وخطب جسيم فلا تغفل عما قلت لك ولا تظن أنه لن يقتلك فداخل الجمل من هذا الكلام الخور ولم يبق له طاقة ولا مصطبر ثم ثبته التوفيق وتخلل في هذا الأمر الجليل فكرة الدقيق واستحضر رأيه في أمره وأجال قداح فكره وقال للدب المشوم يا أخي فأي ضرورة دعت الأسد الغشوم حتى تعفف عن أكل اللحوم قال أنا لا اشك في دينه ولا أرتاب في حسن يقينه ولكن ربما تعود المياه إلى مجاريها وتعطي القوس باريها وتتحرك النفس الأبية والشهوة التي طالما ألقت صاحبها في بلية لأن الإنسان بل سائر الحيوان على ما يقتضيه الكون والمكان دائرة مع اختلاف أخلاق الزمان فان الزمان كالوعاء والشخص فيه كالماء فيعطيه من إخلافه ما يقتضيه من كدره وصفائه ولهذا قيل لون الماء لون إنائه وقد قيل الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم وناهيك يا ذا الكرامات

<<  <   >  >>