للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فتوجه الغراب إلى منزل الجمل وقد اخلص في القول والعمل وسأله عن حاله وموجب هزاله وانتحاله وما سبب هذا الرزوح والرزوم المؤدي إلى النزوح فما أحار جوابا ولا ذكر خطأ ولا صوابا فصار الغراب يرتقبه وحيثما توجه يعتقبه ففي بعض الأيام كان الغراب على بعض الآكام رأى الجمل قد أقبل إلى الماء ليطفئ بشربه سورة الظمأ فتخفى الغراب واقتفى ظهره إلى أن قاربه وكمن خلف صخرة فسمعه يقول بعد ما شرب وقد رأى السميكات في اللعب لك الحمد يا رب ما أرحمك وطوبى لكن يا سمك لا من رئيسكن تخفن ولا من هيبته ترجفن لا ملك يهولكن ولا سلطان يغولكن ولكن البكاء على الجمل الذي ضاقت به الحيل قد وقع في دردور البلاء ولا يهتدي إلى طريق النجاء بل ولا يدري عاقبة أمره المهول ماذا تؤول إلى الغرق والندامة أم إلى النجاة والسلامة ثم أخذ في الانتحاب إلى أن أبكى الغراب فلما رأى أبو القعقاع هذه الأوضاع قضى من الأمر العجاب ما يستشيب منه الغراب ثم توجه إلى أسد الشمري وعرض عليه ما جرى بتخيير المشتري فتشوش فكره وتشور أمره وضاق بالهم صدره وقال أنا كففت عن الشر والشره وعففت عن ذاك كان يرني ولم أره وتركت القرم والأذى وفطمت نفسي عن لذيذ الغذا ليأمنني أصحابي ويأنس بي أحبابي فإذا لم يستقر خاطرهم ولم تطمئن على محبتي سرائرهم أي فائدة لي في الحياة وكيف أخلص في حرم المودة من كدر العيش إلى صفاه وكل ملك لا تصفو له رعيته ولا ترسخ في قلوب جنده محبته كيف يثبت سلطانه أو يساعده عند الشدائد أعوانه أنا بذلت جهدي وطاقتي وتشبثت بأذيال الصلاح على قدر استطاعتي ولم يبق إلا

<<  <   >  >>