ثم اعلم يا ملكا أعظم أن الجمل الطويل الأمل قد اغتر بالملك حين كان في ذرى أمنه سلك وأحسن إليه غاية الإحسان وصار في عدم الوفاء كالإنسان وحصل له من سورة غضبه الأمان فجهل قدره وتعدى طوره وقد قيل:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فوضع الندى في موضع السيف بالعلى ... مضر كوضع السيف في موضع الندى
وقال الله تعالى إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى وكل نفس لا تحتمل الجميل وحوصلة العصفور لا تسع لقمة الفيل وناهيك ما قد قيل في الأقاويل عن حماقة كل طويل فلا حرم فسد دماغه حين حصل فراغه وتطاولت نفسه في مسارها إلى أشياء لا يمكن أفشاها ولا يتفوه بها مسلم ولا يرضاها لأن ذكرها قبيح والكناية أبلغ من التصريح فلما سمع الأسد هذا المقال علم ببديهة العقل أنه زور ومحال ثم أرسل إلى الغراب وذكر له هذا الخطاب ليميز خطأه من الصواب ويبين القشر من اللباب فلما أتى الغراب إلى حضرته وجلا صورة هذا القول على مرآه فكرته قال له ضميرك المبارك في حل هذا المشكل لا يشارك فانه حلال المشكلات موضح المعضلات وأما أنا فلا أسمع هذا الكلام ولا أقبل في الجمل الملام فأني أعرف تواضعه ومسكنته وصبره وطاعته وإخلاصه وقناعته وأنه صادق في محبته مخلص في عبوديته وأعرف أن خوفه من الملك غالب على رجائه وأنه مع ذلك مقيم على سنن وفائه وعقود عهوده وصفائه ولو أراد الذهاب لذهب بسلام ولا في وظيفته قيد ولا في تبرته خطام