نمهل بأداء الكلام ولا للثبات في المقام بل نعامل بالتمزيق والتخريق وننحر بعد في الطريق وتهوى بنا خواطف الطير في مكان سحيق فيفوتنا هذا المطلب إذ قيل الطبع أغلب وهذا وصلنا إليه وتمثلنا بين يديه وأما إذا اعترضنا دونه عارض وجرحنا من جوارح الطير معارض ولا حول يحمينا ولا قوة تنجينا فينتف ريشنا كل باغ ويتجاذب لحمنا كل طاغ فيصير مثلنا مثل النمس والزاغ فسأل اليعقوب تلك الرقوب كيف هذا المثل أخبريني يا ست الحجل (قالت) كان في بعض البساتين العاطرة والرياض الناضرة مأوى زاغ ظريف حسن الشكل لطيف في رأس شجرة عالية أغصانها سامية وقطوفها دانية فاتفق لنمس من النموس في وكره ضرر وبوسفانزعج عن وطنه واحتاج إلى مفارقة سكنه فقاده الزمان إلى هذا المكان فراقه منظره وشاقه نوره وزهره وأعجبه ظله وثمره وأطربه بخريره نهره فعزم على السكنى فيه وتوطن إلى أن توطن في نواحيه ذرآه أحسن منزل وإذا أعشيت فانزل ووقع اختيار ذلك الطاغ على وكر في أصل شجرة الزاغ فسوى له وكراً وحفره في أصل تلك الشجرة وألقى عصا التيسار واستقرت به هناك الدار فلما رأى لزاغ هذه الحال داخله الهم والاوجال وخشى أن يتدرج من أدناها ويتدحرج إلى أعلاها وينشد الأصحاب في هذا الباب:
ولما مضى الشوق ... إلى نحو أبى طوق
تدحرجت لكني ... من تحت إلى فوق
فيصل إلى وطنه القديم ويذيقه العذاب الأليم فليس له خلاص من هذا الاقتناص إلا مفارقة الوطن والانزعاج بالتحول عن السكن وكيف يفارق ذلك النعيم ويسمح بالبعد عن الوطن القديم وهو كما قيل: