للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا تقررت هذه الحجة فإنها تكون دالة على قدم صفة الكلام، وأنه تعالى لم يزل متكلما، بل تكون دالة على قدم جميع صفاته، وأن ذاته مستلزمة لجميع صفات الكمال - مما لا نقص فيه بوجه من الوجوه - ومن ذلك صفة الكلام لأن من يتكلم أكمل ممن لا يتكلم (١) .

ويقرر شيخ الإسلام - هذه الحجة على وفق مذهب السلف فيقول: "يقال: إما أن يكون قادرا على الكلام أو غير قادر، فإن لم يكن قادرا فهو الأخرس، وإن كان قادرا ولم يتكلم فهو الساكت" ثم بين أن الكلابية لا يمكنهم أن يحتجوا بهذه الحجة لأن الكلام عندهم ليس بمقدور - ثم أكمل الحجة فقال: "لكن [هل] (٢) مدلولها قدم كلام معين بغير قدرته ومشيئته؟ أم مدلولها أنه لم يزل متكلما بمشيئته وقدرته؟ والأول قول الكلابية، والثاني قول السلف والأئمة وأهل الحديث والسنة، فيقال: مدلولها الثاني لا الأول، لأن إثبات كلام يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته غير معقول ولا معلوم، والحكم على الشيء فرع عن تصوره. فيقال للمحتج بها: لا أنت ولا أحد من العقلاء يتصور كلاما يقوم بذات المتكلم بدون مشيئته وقدرته، فكيف تثبت بالدليل المعقول شيئاً لا يعقل؟ " (٣) .

وبهذا تكون هذه الحجة دليل على إثبات صفة الكلام لله وقدم نوعه وأن الله يتكلم إذا شاء متى شاء خلافا للأشعرية.

٣- أن دعوى أنه "لو لم يتصف بالكلام لا تصف بالخرس والسكوت إنما يعقل في الكلام بالحروف والأصوات، فإن الحي إذا فقدها لم يكن متكلما فإما أن يكون قادرا على الكلام ولم يتكلم، وهو الساكت، وإما أن لا يكون قادرا عليه، وهو الأخرس. وإما ما يدعونه من "الكلام النفساني" فذاك لا يعقل أن من خلا عنه كان ساكتا أو أخرسن فلا يدل بتقدير ثبوته [على] أن الخالي عنه يجب أن يكون ساكتا أو أخرس" (٤) ، وإذا كان الكلام النفساني


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٦/٢٩٤) .
(٢) زيادة مني ليستقيم الكلام.
(٣) مجموع الفتاوى (٦/٢٩٤-٢٩٥) .
(٤) المصدر السابق (٦/٢٩٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>