والمعاصي، لأن الفتن إذا وقعت ضرت الجميع، ولأنها تمنع معرفة الحق وقصده والقدرة عليه، حيث يحصل من الشبهات في الفتن، ما يلبس الحق بالباطل حتى لا يميز كثير من الناس من هو صاحب الحق من صاحب الباطل (١)؟
فالأحاديث المتقدمة يجب أن لا تحمل على جواز موافقة الحكام في ظلمهم وباطلهم، أو على جواز عدم الإنكار عليهم فيما يرتكبون من منكر، أو على طاعتهم في المعصية، وإنما تدل على أن من كره المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكار المنكر بلسانه وإن من أنكر بلسانه برئ إذا لم يستطع أن ينكر بيده، فمن عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت، ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع هذا المنكر الذي يكفي إنكاره بالقلب هو المنكر الذي لا يصل إلى درجة الكفر والخروج من الإسلام فالحاكم لا يخلو من واحدة من ثلاث حالات:
(أ) حاكم مسلم عادل. (ب) حاكم مسلم فاسق. (ج) حاكم كافر ولكل من هؤلاء منزلة تناسبه ومعاملة تخصه، ودرجة تميزه عن غيره.
أ- فالحاكم المسلم العدل تجب طاعته ومتابعته تحقيقًا لأمر الله في وجوب الطاعة ولزوم الجماعة، حيث إن ولاء المسلم لحاكمه ولاء عقيدة وعبادة وليس ولاء لأشخاص أو طبقة أو عرف جاهلي أو ولاء مصلحة أو منفعة، لأن الأشخاص يموتون ويتغيرون وينحرفون، والشريعة باقية خالدة ما بقيت الحياة.
ب- أما الحكام العصاة الفسقة فيكرههم على ما معهم من معصية وفسق ويحبهم على قدر ما معهم من الحق ولا يقطع العهد معهم ولا يخرج عن طاعتهم إلا إذا رأى ما يوجب كفرهم وخروجهم عن الإسلام.
ج- أما الحكام الكفرة وهم غالبًا المرتدون عن الإسلام فلا تجوز مودتهم
(١) انظر ملحق المصنفات/ محمد بن عبد الوهاب ص٥٠، ٥١.