فَإِنْ يَكُن المَجْدُولَ غَرَّ بِنَفْسِهِ … وَسَاعَدَهُ فِي انْحَائِها كُلُّ مُسْعَدِ
فَقَدْ يُتَوَلَّى الأَمْرُ مِنْ غَيْرِ وَلْيِهِ … وَقَدْ تُسْنَدُ الْأَسْبَابُ مِنْ غَيْرِ مُسْنَدِ
رَأَى فَتْلَةً فَاشْتَدَّ فِيهَا وَرُبَّما … تُصَادُ القَطَا مِنْ غَيْرِ وَقْتِ تَصَيُّدِ
فَإِنْ يُنْجِهش الأَقْدَارُ مِنْكَ بِمِنَّةٍ … فَمَوْعِدُهُ بَغْدَادُ آخِرَ مَوْعِدِ
ودخل فاتِك الفُسطاط فِي عسكره يوم الخميس لعشر خلونَ من رجب، وأمر دَمْيانة بالخروج، وأخرج معه ابن الخَلِيج فِي ثلاثة مراكب، وحمامه، ومعه ثلاثين رَجُلًا من وجوه أصحابه، وكان خروجهم يوم الإثنين لستّ خلونَ من شعبان سنة ثلاث، ثمَّ طيف بابن الخَلِيج وأصحابه ببغداد، واجتمع الناس لهم هناك وكان يومًا مذكورًا، ثمَّ أمر الْحُسَيْن بْن أحمد بهدم المَيْدان، فابتدئَ فِي هدمه فِي شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين، وبيعت أنقاضه، ودثر كأنه لم يكن.
قَالَ محمد بْن طشْوَيه:
مَنْ لَمْ يَرَ الهَدْمَ لِلْمَيْدَانِ لَمْ يَرَهُ … تَبَارَكَ اللهُ مَا أَعْلَاهُ وَاقْدَرَهُ
لَوْ أَنَّ عَيْنَ الَّذِي أنْشَاهُ تُبْصِرُهُ … وَالحَادِثَاتُ تُعَادِيهِ لَأَكْبَرَهُ
كَانَتْ عُيُونُ الْوَرَى تُغْشَى لِهَيْبَتِهِ … إِذَا أَضَاف إِلَيْهِ المَلْكُ عَسكرَهُ
أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّتي كَانَتْ تَحُلُّ بِهِ … وَأَيْنَ مَنْ كَانَ بِالإِتْقَانِ دَبَّرَهُ
وَأَيْنَ مَنْ كَانَ يَحْمِيهِ وَيَحْرُسُهُ … مِنْ كُلِّ لَيْثٍ يَهَابُ اللَّيْثُ مَنْظَرَهُ
صَاحَ الزَّمَانُ بِمَنْ فِيهِ ففَرَّقَهُمْ … وَحَطَّ رَيْبَ الْبِلَى فِيهِ فَدَعْثَرَهُ
وَأَخْلَقَ الدَّهْرُ مِنْهُ حُسْنَ جِدَّتِهِ … مِثْلَ الْكِتَابِ مَحَا العَصْرَانِ أَسْطُرَهُ
دُكَّتْ مَنَاظِرُهُ وَاجْتُثَّ جَوْسَقُهُ … كَأَنَّمَا الخَسْفُ فَاجَأهُ فَدَمَّرَهُ
أَوْ هَبَّ إِعْصَارُ نَارٍ فِي جَوَانِبهِ … فَعَادَ مَعْرُوُفُه لِلْعَيْنُ مُنْكَرَهُ