أقول: إذا استوعبنا هذا التقرير، قلنا: إن خبر الواحد لا يوجب العلم، وإنما يفيد الظن -هذا في الأصل- مع أنه موجب للعمل اتفاقاً بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، دع عنك من يقول: إن خبر الواحد لا يقبل في العقائد من أشاعرة وغيرهم، ودع عنك من لا يحتج بخبر الواحد أصلاً كالمعتزلة، هؤلاء ما لنا بهم لازم، ما لنا بهم لازم، هؤلاء ما لنا بهم دعوة؛ لأننا لا نعتد بخلافهم، فإذا قلنا: إنه موجب للعمل في جميع أبواب الدين، وعرفنا وفرقنا بين العلم والظن، وقلنا: إنه يفيد الظن، يبقى أنه قد يفيد العلم بالقرائن، يفيد العلم بالقرائن ليش؟؛ لأن الاحتمال -احتمال الخطأ- في خبر الثقة ضعيف، ولولا هذا الاحتمال لقلنا: إنه موجب للعلم، هذا الاحتمال الضعيف إذا وجد قرينة تقابل هذا الاحتمال ارتفع هذا الاحتمال، فصار خبره موجباً للعلم، موجباً للعلم، وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم -رحمه الله- في الصواعق، وابن حجر، وجمع غفير من أهل العلم، يقولون: الخبر الواحد .. ، وأيضاً ابن رجب في شرح البخاري في مواضع يقرر أن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة يوجب العلم، أيش مفهومه؟ أنه إذا لم تحتف به قرينة فاحتمال الخطأ قائم.
من القرائن التي قررها أهل العلم -التي تحتف بخبر الواحد حتى يصل إلى درجة إفادة العلم –وعرفنا كيف ترقى خبر الواحد بالقرينة إلى أن يفيد العلم-؛ لأن الاحتمال الذي أنزله أصلاً من إفادة العلم ضعيف، فجاءت هذه القرينة فقاومت هذا الاحتمال فكأن هذا الاحتمال غير موجود، قالوا: كون الحديث في الصحيحين أو في أحدهما هذه قرينة؛ لشدة تحري الشيخين وانتقائهما للمتون والأسانيد.
كون الحديث مروياً بطرق متباينة سالمة من القوادح والعلل، كون الحديث متداولاً بين الأئمة يرويه إمام عن إمام عن إمام عن إمام مالك، أحمد عن الشافعي عن مالك؛ يعني لو وهم مالك يحتمل أن يوافقه الشافعي على الوهم ويرويه عنه؟ لا يحتمل، إذا وهم مالك والشافعي يوافقهم الإمام أحمد والحديث فيه خطأ؟ لا يمكن.
إذن هذه القرائن قابلت ذلك الاحتمال فارتقى خبر الواحد إلى إفادة العلم.
يقول: ولا يوجب العلم لاحتمال الخطأ فيه، وينقسم إلى قسمين: