قال المؤلف: هو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم: ومضى الحديث في ذلك بالتفصيل، والسبب في كونه يوجب العمل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يرسل الرسل إلى القبائل وإلى البلدان وإلى الأقطار، فلولا أن أخبارهم مقبولة موجبة للعمل لما أرسل الواحد منهم حتى يرسل الجماعة المجموعة الذين يثبت القطع بخبرهم، لكن خبر الواحد موجب للعمل بهذا، ولا يوجب العلم لذاته؛ لأن العلم ما لا يحتمل النقيض، وخبر الواحد يحتمل النقيض؛ لأنه ليس بمعصوم، وسبق تقرير هذه المسألة، نعم، إن احتف بخبر الواحد قرينة أوجب العلم؛ لأن هذه القرينة تقوم في مقابل الاحتمال -احتمال النقيض وهو ضعيف، احتمال النقيض- يعني إذا .. ، ومثلنا بمالك نجم السنن، وقلنا: إنه ليس بمعصوم من الخطأ، ليس بمعصوم من الوهم، إذن يعتري حديثه ما يجعله يخالف الواقع، وقد وقعت له بعض الأوهام، فلا يحلف على خبره، نعم إذا احتفت به قرينة وقاومت هذا الاحتمال أوجب العلم عند أهل العلم.
ومنهم من يرى أن خبر الواحد يوجب العلم مطلقاً، وهو قول الحسين الكرابيسي وداود الظاهري، وبعض من أهل الحديث، لكن حقيقة القول المعتمد الذي يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن حجر وابن رجب وغيرهم من أهل العلم أن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة -بهذا القيد- أوجب العلم وأفاده، وهذا مضى الكلام فيه.
ثم قال المؤلف: وينقسم إلى قسمين: يعني خبر الواحد ينقسم إلى قسمين: مرسل ومسند.
أولاً: متى يوجب العمل خبر الواحد؟
إذا ثبت، إذا وصل إلى درجة القبول بأن كان صحيحاً إما لذاته أو لغيره، أو كان حسناً لذاته أو لغيره، يعني في دائرة القبول.
والصحيح عند أهل العلم: ما نقله العدل الضابط عن مثله مع اتصال السند من غير اتصاف بعلة ولا شذوذ، يقول: الحافظ العراقي:
وأهل هذا الشأن قسموا السنن ... إلى صحيح وضعيف وحسن