للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للقسم، أي واللَّه لتُخبرنيّ بما صنعت، وقال السنديّ: بفتح لام، ونون ثقيلة، مضارع للواحدة المخاطبة، من الإخبار، فتكسر الراء هنا، وتفتح في الثاني انتهى (أَوْ لَيُخْبرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ") أي يوحي إليّ بذلك (قُلْتُ) وفي نسخة: "قالت" (يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأبِيِ أَنْتَ وَأُمِّي) مَتعلق بمحذوف، أي أفديك بأبي وأمي، فلما حذف الفعل انفصل الضمير، أو "أنت" مبتدأ، والجار والمجرور متعلّق بالخبر المقدّر، أي مَفْديٌّ بأبي وأمِي (فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، قَالَ: "فَأَنْتِ السَّوَادُ) أي الشخص (الَّذِي) وفي نسخة: "التي" (رَأَيْتُ أمَامِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَلَهَزَنِي فِي صَدْرِي لَهْزَةً) بفتح الهاء، والزاي المعجمة، وفي رواية لمسلم: "فلهدني" بالدال المهملة، وهما متقاربان، قال النوويّ: قال أهل اللغة: لَهَدَه، ولَهَّدَه -بتخفيف الهاء، وتشديدها: أي دفعه. ولَهَزَه: إذا ضربه بجُمْع كفه في صدره.

ويقرب منهما لَكَزَه، وَوَكَزَه انتهى (١) وهذا كان تأديبا لها من سوء الظّنّ (أَوْجَعَتْنِي، ثُمَّ قَالَ: أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ، وَرَسُولُهُ؟) - صلى اللَّه عليه وسلم - أي أن يظلماك، يقال: حاف يَحيف، حَيْفًا: جار، وظلم، فهو حائف، وجمعه حَافَةٌ، وحُيَّفٌ. أفاده في "المصباح".

وقال السنديّ: أي بأن يَدخُل الرسول في نوبتك على غيرك، وذكر "اللَّه" لتعظيم الرسول، والدلالةِ على أن الرسول لا يمكن أن يفعل بدون إذن من اللَّه تعالى، فلو كان منه جور لكان بإذن اللَّه تعالى له فيه، وهذا غير ممكن. وفيه دلالة على أن القَسْم عليه واجب، إذ لا يكون تركه جورًا إلا إذا كان واجبًا انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحق أن القسم ليس واجبًا عليه، وسيأتي تحقيقه في محله إن شاء اللَّه تعالى.

(قُلْتُ) وفي نسخة: "قالت" (مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ) "مهما" شرطية، ولذا جزم الفعل بعدها، وجوابها قوله (فَقَدْ عَلِمَهُ اللَّهُ) ولمسلم" مهما يكتم الناس يعلمه اللَّه". قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: هكذا هو في جميع الأصول، وهو صحيح، وكأنها لما قالت: مهما يكتم الناس، يعلمه اللَّه" صدّقت نفسها، فقالت: نعم (قَالَ: "فَإِنَّ جبْرِيلَ) - عليه السلام - (أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ) مفعوله محذوف، أي ما صنعته من وضع ردائي، فمَا بعده (وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ، وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ) بكسر التاء لخطاب المرأة، والجملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل، والرابط الواو (فَنَادَانِي، فَأَخْفَى مِنْكِ) أي لئلا تفزع، وتنزعج (فَأَجَبْتُهُ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، فَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ) أي إنما فعلت كذلك لظني نومك (وَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي) من عطف العلة على المعلول، أي إنما كرهت إيقاظك، خشيةً من استيحاشك (فَأَمَرَنِي أَنْ آتيَ البَقِيعَ) على حذف مضاف، كما يدلّ عليه ما بعده، أي أهل البقيع (فَأَسْتَغفِرَ لَهُمْ) وفي رواية مسلم: "فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع، فتستغفر لهم".


(١) - "شرح مسلم" ج ٧ ص ٤٧.