للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ: يدلّ على أنه دعا لأهل البقيع، واستغفر، وأن هذا هو الذي عبّر عنه في الرواية الأخرى: "يصلي"، وقد قيل: إنه صلى عليهم صلاته على الجنازة، ويؤيّد هذا القول أنه قد جاء في حديث مالك: "فأصلي عليهم". ثم الذي يقول بهذا يرى أن ذلك خاصّ بالنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، والأول أظهر، وهذا محتمل انتهى (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الاحتمال الثاني بعيد جدًا، ومما يبعده قولها: "ثم رفع يديه ثلاث مرار"، فالصواب أنه استغفر، ودعا لهم. واللَّه تعالى أعلم.

(قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟) ولمسلم: "كيف أقول لهم"، والمراد أهل القبور مطلقًا، لا خصوص أهل البقيع، أي كيف أقول من الذكر والدعاء عند زيارة القبور؟ (قَالَ: "قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ) أي القبور، تشبيهًا للقبر بالدار في كونه مسكنًا (مِنَ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: هذا يدلّ على أن السلام على الموتى كالسلام على الأحياء؛ خلافا لمن قال: إن تحية الميت: عليك السلام، بتقديم عليك، تمسكًا بما رُوي أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - سلم رجل عليه، فقال: عليك السلام يا رسول اللَّه، فقال: "لا تقل: عليك السلام؛ فإن عليك السلام تحيّة الموتى" (٢)، وهذا لا حجة فيه؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - إنما كره منه أن يبدأ بعليك السلام؛ لأنه كذلك كانت تحية الجاهلية للموتى، كما قال شاعرهم:

عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ … وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا

ومقصوده - صلى اللَّه عليه وسلم - أن سلام المؤمنين على الأحياء والموتى مخالف لما كانت الجاهليّة تفعله، وتقوله، واللَّه أعلم انتهى (٣).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الحديث الذي أشار إليه أخرجه أحمد، وأبو داود في "سننه" والترمذيّ، وصححه، والنسائيّ، وصححه الحاكم، عن أبي تميمة الْهُجَيميّ، عن أبي جُرَيّ -بالجيم، والراء، مصغرًا- قال: أتيت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقلت: عليك السلام يا رسول اللَّه، قال: "لا تقل: عليك السلام، فإن عليك السلام تحيّة الموتى".

وقد اعترض الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، كون البيت المذكور من شعر أهل الجاهلية، فإن قيس بن عاصم صحابيّ مشهور، عاش بعد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، والمرثية المذكورة لمسلم معروف، قالها لما مات قيس، ومثله ما أخرج ابن سعد وغيره أن الجنّ رثوا عمر بن الخطاب بأبيات، منها:


(١) - "المفهم" بتصرف ج ٢ ص ٦٣٥ - ٦٣٦.
(٢) - رواه أحمد ٥/ ٦٣ وأبو داود رقم ٤٠٨٤ والترمذيّ ٢٧٢١ وابن حبان ٥٢٢.
(٣) - المصدر المذكور.