للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكفّ عن قتله حتى يُخْتَبَر، فإن شهد بالرسالة، والتزم أحكام الإسلام حُكِم بإسلامه، وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله: "إلا بحقّ الإسلام".

قال البغويّ -رحمه اللَّه تعالى-: الكافر إذا كان وثنيّا، أو ثنويّا، لا يقرّ بالواحدانيّة، فإذا قال: "لا إله إلا اللَّه" حُكم بإسلامه، ثم يُجبر على قبول جميع أحكام الإسلام، وأن يتبرّأ من كلّ دين يُخالف دين الإسلام، وأما من كان مقرًا بالوحدانية، منكرًا للنبوّة، فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول: "محمد رسول اللَّه"، فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصّة، فلا بدّ أن يقول: "إلى جميع الخلق"، فإن كان كفر بجحود واجب، أو استباحة محرّم، فيحتاج أن يرجع عما اعتقده، ومقتضى قوله: "يجبر" أنه إذا لم يلتزم تُجرى عليه أحكام المرتدّ، وبه صرّح القفّال، واستدلّ بحديث الباب، فادعى أنه لم يرد في خبر من الأخبار: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه"، كذا قال، وهي غفلة عظيمة، فالحديث في "صحيحي البخاري ومسلم" في "كتاب الإيمان" من كلّ منهما، من رواية ابن عمر بلفظ: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه"، ويحتمل أن يكون المراد بقول: "لا إله إلا اللَّه" هنا التلفظ بالشهادتين؛ لكونها صارت علمًا على ذلك، ويؤيده ورودهما صريحًا في الطرق الأخرى.

(ومنها): أنه استُدلّ به على أن الزكاة لا تسقط عن المرتدّ. قال الحافظ: وتُعُقّب بأن المرتدّ كافر، والكافر لا يُطالب بالزكاة، وإنما يُطالب بالإيمان، وليس في فعل الصدّيق حجة، لما ذكرنا، وإنما فيه قتال من منع الزكاة، والذين تمسّكوا بأصل الإسلام، ومنعوا الزكاة بالشبهة التي ذكروها لم يحكم عليهم بالكفر قبل إقامة الحجّة.

وقد اختلف الصحابة فيهم بعد الغلبة عليهم، هل تُغنم أموالهم، وتُسبى ذراريّهم كالكفّار، أو لا، كالبغاة؟ فرأى أبو بكر الأول، وعمل به، وناظره عمر في ذلك، وذهب إلى الثاني، ووافقه غيره في خلافته على ذلك، واستقرّ الإجماع عليه في حقّ من جحد شيئًا من الفرائض بشبهة، فيطالب بالرجوع، فإن نصب القتال قوتل، وأقيمت عليه الحجة، فان رجع، وإلا عومل معاملة الكفار حينئذ. ويقال: إن أصبغ من المالكية استقر على القول الأول، فعُدّ من ندرة المخالف.

وقال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: يستفاد من هذه القصّة أن الحاكم إذا أدّاه اجتهاده في أمر لا نصّ فيه إلى شيء تجب طاعته فيه، ولو اعتقد بعض المجتهدين خلافه، فإن صار ذلك المجتهد المعتقد خلافه حاكمًا وجب عليه العمل بما أدّاه إليه اجتهاده، وتسوغ له مخالفة الذي قبله في ذلك؛ لأن عمر أطاع أبا بكر - رضي اللَّه عنهما - فيما رأى