للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حديقته؟ قالت: نعم، وإن شاء زدته، ففرّق بينهما" (١).

(وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ) أي أكره إن أقمت معه أن أقع فيما يقتضي الكفر، وانتفى أنها أرادت أن يحملها على الكفر، ويامرها به نفاقًا بقولها: "لا أعتب عليه في دين"، فتعيّن الحمل على ما قلناه. ورواية جرير بن حازم عند البخاريّ تؤيد ذلك، حيث جاء فيها: "إلا أني أخاف الكفر"، وكأنها أشارت إلى أنها قد تحملها شدّة كراهتها له على إظهار الكفر؛ لينفسخ نكاحها منه، وهي كانت تعرف أن ذلك حرام، لكن خشيت أن تحملها شدّة البغض على الوقوع فيه.

ويحتمل أن تريد بالكفر كفران العشير، إذ هو تقصير المرأة في حقّ الزوج.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا التوجيه هو الصواب عندي، وأما الذي قبله، فما أبعده احتمالاً، في صحابية فاضلة، تكلّم النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - بمثله، ويسكت عنها، إن هذا لشيء بعيد.

وقال الطيبيّ: المعنى أخاف على نفسي في الإسلام ما يُنافي حكمه، من نشوز، وفرك، وغيره، مما يقع من الشابّة الجميلة المبغضة لزوجها، إذا كان بالضدّ منها، فأطلقت على ما يُنافي مقتضى الإسلام الكفر. ويحتمل أن يكون في كلامها إضمارٌ، أي أكره لوازم الكفر، من المعاداة، والشقاق، والخصومة (٢).

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "أترُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟) أي بستانه الذي أصدقك إيّاه، فقد جاء في رواية: "كان تزوّجها على حديقة نخل". و"الحديقة" -بفتح الحاء، وكسر الدال المهملتين-: الْبُستان يكون عليه حائطٌ، فَعِيلةٌ بمعنى مفعولة؛ لأن الحائط أحدق بها، أي أحاط، ثم توسّعوا حتى أطلقوا الحديقة على البستان، وإن كان بغير حائط، والجمع الحدائق. قاله الفيّوميّ.

(قَالَت: نَعَمْ) زاد في رواية: "أيطيب ذلك يا رسول اللَّه؟، قال: نعم" (قَالَ: رَسُولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ) بفتح الباء الموحّدة، أمر قبل يقبل، من باب تعب (وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً") هو أمر إرشاد، وإصلاح، لا إيجاب. ووقع في رواية جرير بن حازم: "فردّت عليه، وأمره بفراقها". واستُدلّ بَهذا السياق على أن الخلع ليس بطلاق. وفيه نظر، فليس في الحديث ما يُثبت ذلك، ولا ما ينفيه، فإن قوله: "طلّقها الخ" يحتمل أن يراد طلّقها على ذلك، فيكون طلاقًا صريحًا على عوض، وليس البحث فيه، إنما الاختلاف فيما إذا وقع لفظ الخلع، أو ما كان في حكمه من غير تعرّض لطلاق بصراحة، ولا


(١) "فتح" ١٠/ ٥٠٢.
(٢) "المصدر السابق".