خطأٌ في العربية؛ لأن بعده:{وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}[النساء: ٩٣]، وهو محمول على معنى جازاه.
وجوابٌ ثالث {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} إن لم يتُب، وأصرّ على الذنب حتى وافى ربّه على الكفر بشؤم المعاصي. وذكر هبة اللَّه في "كتاب الناسخ والمنسوخ" أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]، وقال: هذا إجماع الناس إلا ابن عبّاس، وابن عمر، فإنهما قالا: هي محكمة. وفي هذا الذي قاله نظرٌ؛ لأنه موضع عموم وتخصيص، لا موضع نسخ. قاله ابن عطيّة.
قال القرطبيّ: هذا حسنٌ؛ لأن النسخ لا يدخل الأخبار، إنما المعنى: فهو يَجزيه. وقال النحّاس في "معاني القرآن" له: القول فيه عند العلماء أهلِ النظر أنه محكم، وأنه يُجازيه إذا لم يتُب، فإن تاب فقد بيّن أمره بقوله:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ}[طه: ٨٢]، فهذا لا يخرج عنه، والخلود لا يقتضي الدوام، قال اللَّه تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} الآية [الأنبياء: ٣٤]، وقال تعالى:{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}[الهمزة: ٣]، وقال زُهَير:
وَلَا خَالِدًا إِلَّا الْجِبَالَ الرَّوَاسِيَا
وهذا كلّه يدلّ على الخلد يُطلق على غير معنى التأبيد، فإن هذا يزول بزوال الدنيا، وكذلك العرب تقول: لأخلدنّ فلانًا في السجن، والسجن ينقطع ويفنى، وكذلك المسجون. ومثله قولهم في الدعاء: خلد اللَّه ملكه، وأبّد أيامه. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما تقدّم أن الأرجح هو ما ذهب إليه الجمهور من أن قاتل المؤمن عمدًا تُقبل توبته؛ جمعًا بين النصوص المذكور، والعمل بالدليلين إذا أمكن أولى من إهمال أحدهما.
على أنه قد جاء عن ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - القول بموافقة قول الجمهور، فقد أخرج البخاريّ في "الأدب المفرد" رقم ٤ - بسند صحيح، على شرط الشيخين، عن عطاء بن يسار، عن ابن عبّاس أنه أتاه رجلٌ، فقال: إني خطبت امراةٌ، فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري، فأحبّت أن تنكحه، فغِرتُ عليها، فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمّك حيّةٌ؟ قال: لا، قال: تب إلى اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، وتقرّب إليه ما استطعت، فذهبتُ، فسألت ابن عبّاس: لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى