وباطلهم، وهذا كلّه ما لم يُكفروا ببدعتهم، فإن كانت بدعة مما يُكفّرون بها، جرت عليهم أحكام المرتدّين.
وأما البغاة الذين لا يُكفّرون، فيرثون، ويورثون، ودمهم في حال القتال هدَرٌ، وكذا أموالهم التي تتلَف في القتال، والأصح أنهم لا يُضمَّنون أيضًا ما أتلفوا على أهل العدل في حال القتال، من نفس، ومال، وما أتلفوا في غير حال القتال، من نفس، ومال، ضمنوه، ولا يحلّ الانتفاع بشيء من دوابهم، وسلاحهم في حال الحرب عند الجمهور، وجوّزه أبو حنيفة. انتهى كلام النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).
(ومنِها): أن فِيهِ الكفَّ عن قتل من يعتقِد الخرُوج على الإمام، ما لم ينصِب لِذلِك حرْبا، اوْ يستعد لِذلِك؛ لِقوْلِهِ في بعض طرقه:"فإِذَا خرجُوا فاقتُلُوهُم". وحكى الطَّبرِيُّ الإجماع على ذَلِكَ في حقّ من لا يُكفَّر باعتِقادِهِ، وأسند عن عُمر بْن عبد العزِيز أنَّهُ كتب في الخوارج بِالكفِّ عنهُم، ما لم يسفِكُوا دمّا حرامًا، أوْ يأخُذُوا مالا، فإِن فعلُوا فقاتِلُوهُم، ولوْ كانُوا وُلدِي. ومِن طريق ابن جُريج: قُلت لِعطاء: ما يحِلّ في قِتال الخوارج؟ قال: إِذا قطعُوا السبِيل، وأخافُوا الأمن. وأسند الطبرِيُّ، عن الحسنُ، أنهُ سُئِل عن رجُل، كان يرى رأي الخوارج، ولم يخرُج؟ فقال: العمل أمْلكُ بِالنَّاسِ من الرَّأي. قال الطبرِي: ويُؤيَّدهُ أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، وصف الخوارج بِأنهُم يقُولُون الحقّ بِألسِنتِهِم، ثُمَّ أخبر أن قوْلهم ذَلِكَ، وِإن كان حقًّا من جِهة القوْل، فإِنَّه قوْل، لا يُجاوِز حُلُوقهُم. ومِنهُ قوْله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر: ١٠]، أخبر أن العمل الصَّالِح الموافِق لِلقوْلِ الطيب، هُو الذِي يرْفع القوْل الطيب، قال: وفِيهِ أنهُ لا يجُوز قِتال الخوارج، وقتلهم، إِلا بعْد إِقامة الحجَّة عليهِم، بِدُعائِهِم إِلى الرُّجُوع إِلى الحقّ، والإعذار إِليهِم.
(ومنها): أن فيه منقبة عظيمة لعليّ - رضي اللَّه تعالى عنه -، وأنه كان الإمام الحقّ، وأنه كان على الصواب في قتال من قاتله في حروبه، في الجَمَلِ، وصِفّين، وغيرهما؛ لقوله - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -: "تمرق مارقةٌ عند فُرْقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحقّ"، فقد قتلهم عليّ - رضي اللَّه تعالى عنه -.
(ومنها): أن الحصر الآتي في "كتاب القسامة" في قول عليّ - رضي اللَّه تعالى عنه - عند ما سأله أبو جحيفة - رضي اللَّه تعالى عنه -: هل عهِد إليك نبيّ اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم شيئًا، لم يَعهَده إلى الناس عامّة؟، قال: لا، إلا ما كان في كتابي هذا الخ،