للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

محمول على المقيّد بالكتابة، لا أنه ليس عنده عن النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - شيء، مما أطلعه اللَّه عليه من الأحوال الآتية، إلا ما في كتابه، فقد اشتملت طرق هذا الحديث على أشياء كثيرة، كان عنده عن النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - علم بها، مما يتعلّق بقتال الخوارج، وغير ذلك، وقد ثبت عنه أنه كان يُخبر بأنه سيقتله أشقى القوم، فكان ذلك، في أشياء كثيرة.

ويحتمل أن يكون النفي مقيّدًا باختصاصه بذلك، فلا يرد حديث الباب؛ لأنه شاركه فيه جماعة، وإن كان عنده زيادة عليهم؛ لأنه صاحب القصّة، فكان أشدّ عناية بها من غيره. أفاده في "الفتح" (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن الاحتمال الثاني هو الأقرب؛ لدلالة قول أبي جُحيفة - رضي اللَّه تعالى عنه - عليه، حيث قال: "هل عهِد إليك نبيّ اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - شيئًا، لم يعهده إلى الناس عامّة؟، فإنه طاهر في أن السؤال عما خصّه به النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، دون غيره مِن الناس. واللَّه تعالى أعلم.

(ومنها): أن فيه علمًا من أغلام النُّبُوْة، حيثُ أخبر - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - بِما وقع قبلِ أن يقع، وذلِك أنَّ الخوارج لما حكمُوا بِكُفرِ من خالفهُم، استباحُوا دِماءهُم، وتركُوا أهل الذِّمّة، فقالُوا نفِي لهُم بِعهدِهِم، وتركُوا قِتال المشرِكِين، واشتغلُوا بِقِتالِ المسْلِمِين، وهذا كُلّه من آثار عِبادة الجهَّال، الذِين لم تنشرِح صُدُورهم بنُورِ العِلم، ولم يتمسكُوا بِحبل وثِيق من العِلم، وكفى أنَّ رأْسَهُم ردّ على رسُول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمْرهُ، ونسبهُ إِلى الجوْر، نسأل اللَّه السَّلامة.

(ومنها): أن فيه أن قِتال الخوارج أوْلى من قِتال المُشرِكِين، والحكمة فِيهِ أنَّ في قِتالهم، حِفظ رأس قال الإسلام، وفِي قِتال أهل الشرْك طلب الرَّبْح، وحِفظ رأس المال أوْلى من طلب الربح.

(ومنها): أن فِيهِ الزَّجْر عن الأخذ بظواهِر جميع الآيات القابِلة لِلتأوِيلِ، الَّتِي يُفضِي القوْل بِظواهِرِها، إِلى مُخالفة إِجماع السَّلف.

(ومنها): التَّحْذِيرُ من الغُلُوْ في الدَّيانة، والتُّنطُعِ فِيِ العِبادة، بِالحمْلِ على النَّفْس فِيما لم يأذن فِيهِ الشَّرْع، وقد وصف الشَّارع الشرِيعة بِأنها سهلة سمْحة، وإنَّما ندب إِلى الشدَّة على الكُفَّار، والى الرَّأفة بِالمؤْمِنِين، فعكس ذَلِكَ الخوارجُ، كما تقدَّم بيانه.

(ومنها): جوازُ قِتال من خرج عن طاعة الإمام العادِل، ومنْ نصب الحرْب، فقاتل


(١) راجع "الفتح" ١٤/ ٣٠٦.