على اعتِقاد فاسِد، ومنْ خرج يقطع الطُّرُق، ويُخِيف السَّبِيل، ويسعى في الأرْض بِالفسادِ. وأمَّا من خرج عن طاعة إِمام جائِر، أراد الغلبة على ماله، أوْ نفسه، أوْ أهْله، فهُو معذُور، ولا يحِل قِتاله، ولهُ أن يدفع عن نفسه، وماله، وأهله بِقدرِ طاقته.
وقد أخرج الطبرِيُّ، بسند صحِيح، عن عبد اللَّه بن الحارِث، عن رجُل من بنِي نضر، عن علِيّ، وذكر الخوارج، فقال: إِنَّ خالفُوا إِمامًا عدْلا، فقاتِلُوهُم، وإن خالفُوا إِمامًا جائِرًا، فلا تُقاتِلُوهُم، فإِنَّ لهُم مقالا.
قال الحافظ: وعلى ذَلِكَ يُحمل ما وقع لِلحُسينِ بن عليّ، ثُمَّ لأهلِ المدِينة في الحرَّة، ثُمّ لِعبدِ اللَّه بن الزبير، ثُمَّ لِلقُرَّاءِ الذِين خرجُوا على الحجاج، في قِصة عبد الرحمن بن مُحمّد بن الأشعث. واللَّه أعلمُ.
(ومنها): ما قيل: إن فيه دم استئصال شعر الرَّأس، قال الحافظ: وفِيهِ نظرٌ لاحتِمالِ أن يكُون المراد بيان صِفتهم الواقِعة، لا لإرادةِ ذمها، وترْجم أبُو عوانة في "صحيحه" لِهذِهِ الأحادِيث: "بيان أنَّ سبب خُرُوج الخوارج، كان بسبب الأثرة في القِسمة، مع كوْنها كانت صوابا، فخفِي عنهُم ذَلِكَ".
(ومنها): أن فيه إِباحة قِتال الخوارج بِالشُرُوطِ المتقَدَّمة، وقتلهم في الحرْب، وثُبُوت الأجر لِمن قتلهُم.
(ومنها): أن فِيهِ أنَّ مِن المسُلِمِين من يخرُج من الدْين، من غير أن يقصِد الخرُوج مِنهُ، ومِن غير أن يختار دِينًا، على دِين الإسلام. (ومنها): ما قيل: أن الخوارج شرّ الفِرق المُبتدِعة، من الأُمَّة المحمَّديّة، ومِن اليهُود والنصارى.
قال الحافظ: والأخِير مبنِيّ على القوْل بِتكفِيرهِم مُطلقًا. (ومنها): أنه فِيهِ منقبةً عظِيمة لِعُمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد - رضي اللَّه تعالى عنهما -، حيث طلبا قتل ذلك الرجل، كما بين في حديث أبي سعيد - رضي اللَّه تعالى عنه -؛ وذلك لِشِدَّة غيرتِهما على الدَّين.
(ومنها): أن فِيهِ أنَّهُ لا يُكتفى في التعدِيل بِظاهِرِ الحال، ولوْ بلغ المشهُودُ بِتعدِيلِهِ الغاية في العِبادة، والتقشُّف، والورع، حتى يُختبر باطِن حاله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في تكفير الخوارج:
قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في "شرح مسلم": وفِي هذِهِ الأحادِيث دلِيل لِمن يُكفِّرُ الخوارج. قال القاضِي عِياض -رحِمهُ اللَّه تعالى-: قال المازريّ: اختلف العُلماء في تكفِير الخوارِج، قال: وقد كادت هذِهِ المسألة تكُون أشدّ إِشكالا من سائِر المسائِل،