للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولقذ رأيت أبا المعالي، وقذ رغِب إِليه الفقيه عند الحقّ رحِمهُما اللَّه تعالى في الكلام عليها، فرهب لهُ من ذَلِكَ، واغتذر بِان الغلط فِيها يصْعُبُ موْقِعُهُ؛ لأن إِدْخال كافِر في الملَّة، واخراج مسلِم مِنها عظِيم في الدَّين، وقد اضطرب فِيها قوْل القاضِي أبِي بكر الباقِلانِي، وناهِيك بِهِ في علم الأُصُول، وأشار ابن الباقِلانِيّ إِلى أنها من المعوِّصات، لأن القوْم لم يُصرَّحُوا بالكُفرِ، وإنما قالُوا أقوالا تُؤدِّي إِليهِ، وأنا أكشِف لك نُكتة الخلاف، وسبب الإشكال، وذلِك أن المعتزليَّ مثلا يقُول: إِنَّ اللَّه تعالى عالِم، ولكِن لا عِلم لهُ، وحيٌّ ولا حياة لهُ، يُوقِع الالتِباس في تكفِيره، لأنَّا علِمْنا من دِين الأُمَّة ضرُورة، أنَّ من قال: إِنَّ اللَّه تعالى ليس بِحيٍّ، ولا عالِم كان كافِرًا، وقامت الحجَّة على استِحالة كوْن العالِم، لا عِلم لهُ، فهل نقُول: إِنَّ المعتزليَّ، إِذا نفى العِلم، نفى أنْ يكُون اللَّه تعالى عالِمًا، وذلِك كُفر بالإجماع، ولا ينفعُهُ اعتِرافُهُ بِأنهُ عالِم، مع نفيِهِ أصل العِلم، أوْ نقُول: قدْ اعترف بِأن اللَّه تعالى عالِم، وإنكاره العِلم لا يُكفرهُ، وإن كان يُوْدَّي إِلى أنهُ ليس بِعالِم، فهذا موْضِع الإشكال. هذا كلام المازريّ.

ومذهب الشَّافِعِي، وجمًاهِير أصحابه العلماء، أن الخوارج لا يكفرُون، وكذلِك القدرِية، وجماهِير المعتزِلة، وساثِر أهل الأهواء. قال الشَّافِعِي رحِمهُ اللَّه تعالى: أقبلُ شهادة أهل الأهواء إِلا الخطَّابِيَّة، وهُم طائفة من الرَّافِضة، يشهدُون لِمُوافِقِيهِم في المذهب بِمُجرَّدِ قوْلهم، فردَّ شهادتُهم لِهذا، لا لِبِدْعتِهِم. واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

وقال في "الفتح": استُدِلَّ بهِذا الحديث لِمن قال بِتكفِيرِ الخوارج. وهُو مُقتضى صنِيع البُخارِيّ، حيثُ قرنُهم بِاالملحِدِين، وأفرد عنهُم المتأوْلِين بترجمةٍ، وبِذلِك صرّح القاضِي أبو بكر بن العربِيّ، في شرح التزمِذِيّ، فقال: الصحِيح أنَّهم كُفَّار؛ لِقوْلِهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "يمرُقون من الإسلام"، ولِقوْلِهِ: "لأقتُلنَّهُم قتل عاد"، وفِي لفظ: "ثمُود"، وكُلّ مِنهُما إِنما هلك بِالكُفرِ، وبِقوْلِهِ: "هُم شرُّ الخلق"، ولا يُوصف بِذلِك إِلا الكُفَّار، ولِقوْلِهِ: "إِنَّهُم أبغضُ الخلق إِلى اللَّه تعالى"، ولِحُكمِهِم على كُلّ من خالف مُعتقدهم بِالكُفرِ، والتخليد في النار، فكانُوا هم أحقَّ بِالاسم مِنْهُم.

ومِمن جنح إِلى بعض هذا البحث الطبرِي، في "تهذِيبه"، فقال- بعد أن سرد أحادِيث الباب-: فِيهِ الرَّدّ على قوْل من قال: لا يخرُج أحد مِن الإسلام من أهل القِبلة بعد استِحقاقه حُكمهُ، إِلا بِقصدِ الخرُوج مِنهُ عالِمًا، فإِنةُ مُبطِل لِقوْلِهِ في الحديث: "يقُولُون


(١) "شرح مسلم" ٧/ ١٦٠. "كتاب الزكاة".