وقال الخطَّابيّ: أجمع عُلماء المُسلمِينَ، على أنَّ الخوارج مع ضلالتهم فِرْقة من فِرقِ المُسلمِينَ، وأجازُوا مُناكحتهم، وأكل ذبائحهمِ، وأنهُم لا يُكفَّرُون ما دامُوا مُتمسِّكِين بِأضلِ الإسلام. وقال عِياض: كادت هذِهِ المسْألة تكُون أشدّ إِشكالا عِتد المُتكلِّمِين من غيرها، حتّى سأل الفقِيهُ عبد الحقّ الإمام أبا المعالي عنها، فاعتذر بِأن إِدخال كافِر في الملة، وِإخراج مُسْلِم عنها عظِيم في الدين، قال: وقد توقَّف قبْله القاضِي أبُو بكر الباقِلانِي وقال: لم يُصرِّح القوْم بِالكُفرِ، وإِنما قالُوا أقوالا تُوْدِّي إِلى الكُفر. وقال الغزاليّ في كِتاب "التَّفرِقة بين الإيمان والزَّندقة": والذِي ينبغِي الاحتِراز عن التكفِير، ما وجد إِليهِ سبِيلا، فإنَّ استِباحة دِماء المُصلين المقرَّين بِالتوحِيدِ خطأ، والخطأ في ترْك ألف كافِر في الحياة، أهونُ مِن الخطأ في سفك دم لِمُسلِمِ واحِد.
ومِمَّا احتج بِهِ من لم يُكفرهُم، قوْله في الحديث بعد وصفهم بِالمرُوقِ من الدَّين:"كمُرُوقِ السَّهم، فينظُر الرَّامِي إِلى سهمه"، إلى أن قال:"فيتمارى في الفُوقة، هل علِق بهِا شيء".
قال ابن بطَّال: ذهب جُهُور العُلماء، إلى أنَّ الخوارج غير خارِجِين، عن جملة المُسلمِينَ؛ لِقوْلِهِ:"يتمارى في الْفُوق"؛ لأنَّ التَّمارِي من الشَّك، لمِاذا وقع الشَّكّ في ذَلِكَ، لم يُقطع عليهِم بِالخرُوجِ من الإسلام؛ لأنَّ من ثبت لهُ عقد الإسلام بِيقِينِ، لم يخرُج مِنهُ، إِلا بِيقِين، قال: وقد سُئِل علِي عن أهل النَّهر، هل كفرُوا؟ فقال: من الكُفر فرُّوا.
قال الحافظ: وهذا إن ثبت عن عليّ، حُمِل على أنهُ لم يكُن اطَّلع على مُعتقدهم، الذِي أوْجب تكفِيرهم عِند من كفَّرهُم، وفِي احتِجاجه بِقوْلِهِ:"يتمارى في الفُوق" نظر، فإِنّ في بعض طُرُق الحديث المذكور:"لم يعلق مِنهُ بِشيء"، وفِي بعضها "سِبق الفرث والدم"، وطرِيق الجمع بينهما، أنَّهُ تردَّد هل في الفُوق شيء، أوْ لا؟ ثُمَّ تحقَّق أنَّهُ لم يعلق بِالسَّهم، ولا بِشيءِ مِنهُ من الرَّمِي بِشيءِ. ويُمكِن أن يُحمل الاختِلاف فِيهِ، على اختِلاف أشخاص مِنْهُم، ويكون في قوْله:"يتمارى" إِشارة إِلى أنَّ بعضهم، قدْ يبقى معهُ من الإسلام شيء.
قال القُرطُبِيّ في "المفهم": والقوْل بِتكفِيرهِم أظهرُ في الحديث، قال: فعلى القوْل بِتكفِيرِهِم يُقاتِلُون، ويُقتلُون، وتُسبى أموالُهُم، وهُو قوْل طائِفة من أهل الحديث في أموال الخوارج، وعلى القوْل بِعدمِ تكفِيرهم، يُسلك بهم مسلك أهل البغي، إِذا شقُّوا العصا، ونصبُوا الحرْب، فأمَّا من استسرَّ مِنْهُم بِبِدعةٍ، فإِذا ظُهِر عليهِ، هل يُقتل بعْد