للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القرطبيّ: الإيمان بالله: هو التصديق بوجوده، وأنه لا يجوز عليه العدم، وأنه تعالى موصوفٌ بصفات الجلال والكمال، منْ العلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، والحياة، والرضا، والمحبة، وغيرها، وأنه منزّه عن صفات النقص التي هي أضداد تلك الصفات، وعن صفات الأجسام، والمتحيزات، وأنه واحد، صمد، فردٌ، خالق جميع المخلوقات، متصرّف فيها بما يشاء منْ التصرّفات، يفعل فِي ملكه ما يريد، ويحكم فِي خلقه ما يشاء. انتهى. بزيادة.

وَقَالَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فِي "العقيدة الواسطيّة" حينما يصف اعتقاد الفرقة الناجية المنصور: ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه فِي كتابه، وبما وصفه رسوله -صلى الله عليه وسلم- منْ غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يُحرّفون الكلم عن مواضعه، ولا يُلحدون فِي أسمائه، وآياته، ولا يكيفون، ولا يمثّلون، صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه وتعالى لا سميّ له، ولا كفء له، ولا ندّ له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى، فإنه أعلم بنفسه، وبغيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثًا منْ خلقه، ثم رسله صادقون، مصدّقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولهذا قَالَ تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: ١٨٠ - ١٨٢]، فسبّح نفسحه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلّم عَلَى المرسلين؛ لسلامة ما قالوه منْ النقص والعيب، وهو قد جمع فيما وصف، وسمَّى به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم منْ النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين. انتهى كلامه مختصرًا.

وَقَالَ فِي "الفتح": قوله: "قَالَ: الإيمان: أن تؤمن بالله … الخ": دل الجواب أنه عَلِم أنه سأله عن متعلقات الإيمان، لا عن معنى لفظه، وإلا لكان الجواب الإيمان: التصديق، وَقَالَ الطيبي: هَذَا يوهم التكرار، وليس كذلك، فإن قوله: "أن تؤمن بالله"، مُضَمَّن معنى أن تعترف به، ولهذا عداه بالباء: أي أن تصدق، معترفا بكذا.

قَالَ الحافظ: والتصديق أيضًا يعدى بالباء، فلا يحتاج إلى دعوى التضمين. وَقَالَ الكرماني: ليس هو تعريفا للشيء بنفسه، بل المراد منْ المحدود الإيمان الشرعي، ومن الحد الإيمان اللغوي.

قَالَ الحافظ: والذي يظهر أنه إنما أعاد لفظ الإيمان؛ للاعتناء بشأنه، تفخيما لأمره،