وَحَقَّقَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْمُجْتَهِدْ … مَنْ هَذِهِ مَلَكَةٌ لَهُ وَقَدْ
أَحَاطَ بِالْمُعْظَمِ مِنْ قَوَاعِدِ … حَتَّى ارْتَقَى لِلْفَهْمِ لِلْمَقَاصِدِ
وَلْيُعْتَبَرْ قَالَ لِفِعْلِ الاجْتِهَادْ … لَا كَوْنِهِ وَصْفًا غَدَا فِي الشَّخْصِ بَادْ
أَنْ يَعْرِفَ الإجْمَاع كَيْ لَا يَخْرِقَهْ … وَسَبَبَ النُّزُولِ قُلْتُ أَطْلَقَهْ
وَنَاسِخَ الْكُلِّ وَمَنْسُوخًا وَمَا … صُحِّحَ وَالآحَادَ مَعْ ضِدِّهِمَا
وَحَالَ رَاوِي سُنَّةٍ وَنَكْتَفِي … الآنَ بِالرُّجُوعِ لِلْمصَنَّفِ
لَا الْفِقْهُ وَالْكَلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ … وَلَا الذُّكُورَةُ وَلَا الْعَدَالَةُ
وَالْبَحْثَ عَنْ مُعَارِضٍ فَلْيَقْتَفِي … وَاللَّفْظِ هَلْ مَعْهُ قَرِينَةٌ تَفِي
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): فِي تقسيمهم المجتهد إلى قسمين:
قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: المجتهد ضربان:
[أحدهما]: المجتهد المطلق، وهو المستقلّ باستنباط الأحكام منْ أدلّتها، فهذا لا شكّ فِي أنه مجتهد مأجور، كما قدّمناه، لكنه يعِزّ وجوده، بل قد انعدم فِي هذه الأزمان، فلو لم ينفذ إلا حكم منْ كَانَ كذلك، لتعطّلت الأحكام، وضاعت الحقوق. [وثانيهما]: مجتهد فِي مذهب إمام، وهذا غالب قُضاة العدل فِي هَذَا الزمان، وشرط هَذَا أن يُحقّق أصول إمامه، وأدلّته، ويُنزل أحكامه عليها فيما لم يجده منصوصًا منْ مذهبه، وأما ما وجده منصوصًا، فإن لم يختلف قول إمامه عمل عَلَى ذلك النصّ، وَقَدْ كُفي مؤنة البحث، والأولى به تعرّف وجه ذلك الحكم.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا التعرّف ليس بأولى، وإنما الأولى بل الواجب عليه ما دام أهلاً للنظر فِي الأدلّة أن ينظر فيها حَتَّى يظهر له وجه الحكم، فلا يجوز له أن يكتفي بمجرّد التقليد، فتبصّر. والله تعالى أعلم.
قَالَ: وأما إذا اختلف قول إمامه، فهناك يجب عليه البحث فِي تعيين الأولى منْ القولين عَلَى أصول إمامه، واختلف أصحابنا فيمن يحفظ أقوالَ إمامه فقط، هل يصلح للحكم عند الضرورة أو لا؟ عَلَى قولين، فمن أجاز شرط فيه أنه لا يخرج عن نصوص إمامه، أو نصوص منْ فهم عن إمامه، فإذا تعارض عنده الأقوال لم يحكم بشيء منه أصلاً حَتَّى يسأل عن الأرجح منْ له أهليّة الترجيح، ولا يحكم بنظره أصلاً، إذ لا نظر له، ومتى فعل شيئًا منْ ذلك كَانَ حكمه منقوضًا، وقوله مردودًا. وَقَدْ كَانَ أهل الأندلس يرجّحون الأقوال بالناقلين لها منْ غير نظر فِي توجيه شيء منها، فيقولون: إن قول ابن