والنوع الآخر: الذي فيه الأمر، وأخبر فيه بالقصة وأنه لا غسل في ذلك حتى يكون الماء فهذا قد جاء خلاف ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور في الباب وهو ناسخ لتلك الآثار.
فإن قيل: ليس فيه دليل على النسخ لعدم التعرض إلى شيء من التاريخ.
أجيب بأنه قد جاء ما يدل على النسخ صريحا، وهو ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو- يعني ابن الحارث، عن ابن شهاب، قال: حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمرنا بالغسل، ونهى عن ذلك". قال أبو داود: يعني "الماء من الماء". وأخرجه الطحاوي أيضًا. وأخرج أبو داود أيضا بسنده عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال: حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخصهارسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدء الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعدُ. وأخرجه ابن ماجه، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
فإن قيل: في الحديث الأول مجهول، وهو قوله: حدثني بعض من
أرضى، أجيب بأن هذا المجهول أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج، لأن البيهقي روى هذا الحديث، ثم قال: ورويناه بإسناد آخر موصول عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، والحديث محفوظ عن سهل، عن أبي بن كعب، كما أخرجه أبو داود.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: إنما رواه ابن شهاب عن أبي حازم، وهو حديث صحيح ثابت بنقل العدول له.