للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

موكل بالسحاب. وكما فسر اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم، ورهبانهم أربابا من دون الله بأن ذلك باستحلال ما أحلوه من الحرام، وتحريم ما حرموه عليهم من الحلال، وكما فسر القوة التي أمر الله أن نعِدّها لأعدائه بالرمي، وكما فسر قوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: ١٢٣] بأنه ما يُجزى به العبد في الدنيا من النصب والهم والخوف واللأواء، وكما فسر الزيادة بأنه النظر إلى وجه الله الكريم، وكما فسر الدعاء في قوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]، بأنه العبادة، وكما فسر إدبار النجوم بأنه الركعتان قبل الفجر، وإدبار السجود بالركعتين بعد المغرب، ونظائر هذا.

(الثالث): بيانه بالفعل، كما بين أوقات الصلوات للسائل بفعله.

(الرابع): بيان ما سئل عنه من الأحكام التي ليست في القرآن، فنزل القرآن ببيانها، كما سئل عن قذف الزوجة، فجاء القرآن باللعان، ونظائره.

(الخامس): بيان ما سئل عنه بالوحي، وإن لم يكن قرآنا، كما سئل عن رجل أحرم في جُبَّة بعد ما تَضَمَّخَ بالْخَلُوق، فجاء الوحي بأن ينزع عنه الجبة، ويغسل أثر الْخَلُوق.

(السادس): بيانه للأحكام بالسنة ابتداء من غير سؤال، كما حرم عليهم لحوم الْحُمُر، والمتعة، وصيد المدينة، ونكاح المرأة على عمتها وخالتها، وأمثال ذلك.

(السابع): بيانه جوازَ الشيء بفعله هو له، وعدم نهيهم عن التأسي به.

(الثامن): بيانه جوازَ الشيء بإقراره لهم على فعله، وهو يشاهده، أو يَعلَمُهُم يفعلونه.

(التاسع): بيانه إباحةَ الشيءِ عفوًا بالسكوت عن تحريمه، وإن لم يأذن فيه نطقًا.

(العاشر): أن يحكم القرآن بإيجاب شيء، أو تحريمه، أو إباحته، ويكون لذلك الحكم شروط، وموانع، وقيود، وأوقات مخصوصة، وأحوال، وأوصاف، فيحيل الرب سبحانه وتعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - في بيانه، كقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤]، فالحِلُّ موقوف على شروط النكاح، وانتفاء موانعه، وحضور وقته، وأهلية المحل، فإذا جاءت السنة ببيان ذلك كله لم يكن شيء منه زائدًا على النص، فيكونَ نسخا له، وإن كان رفعا لظاهر إطلاقه.

فهكذا كل حكم منه - صلى الله عليه وسلم - زائدًا على القرآن هذا سبيله سواءً بسواءٍ، وقد قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١]، ثم جاءت السنة بأن القاتل، والكافر، والرقيق لا يرث، ولم يكن نسخا للقرآن مع أنه زائد عليه قطعا، أعني في موجبات الميراث، فإن القرآن أوجبه بالولادة وحدها، فزادت السنة مع وصف الولادة اتحاد الدين، وعدم الرقّ والقتل.