- صلى الله عليه وسلم -، ويصدقون بهذا الحديث، ولا يُكيّفون، والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء, والمجيء، والحجةُ في ذلك واحدة.
وقد قال قوم من أهل الأثر أيضا أنه ينزل أمره، وتنزل رحمته، وروي ذلك عن حبيب كاتب مالك وغيره، وأنكره منهم آخرون، وقالوا: هذا ليس بشيء، لأن أمره ورحمته لا يزالان أبدًا في الليل والنهار، وتعال الملك الجبّار الذي إذا أراد أمرًا قال له: كن فيكون في أي وقت شاء، ويختص برحمته من يشاء متى شاء، لا إله إلا هو الكبير المتعال.
وقد روى محمد بن علي الجبلي، وكان من ثقات المسلمين بالقيروان، قال: حدّثنا جامع بن سوادة بمصر، قال: حدثنا مطرّف، عن مالك بن أنس، أنه سئل عن الحديث "إن الله ينزل في الليل إلى السماء الدنيا"، فقال: مالك: يتنزل أمره.
وقد يحتمل أن يكون كما قال مالك رحمه الله على معنى أنه تتنزل رحمته وقضاؤه بالعفو والاستجابة، وذلك من أمره، أي أكثر ما يكون ذلك في ذلك الوقت. والله أعلم.
ولذلك جاء فيه الترغيب في الدعاء، وقد روي من حديث أبي ذرّ - رضي الله عنه -، أنه قال: يا رسول الله أيّ الليل أسمع؟ قال:"جوف الليل الغابر". يعني الآخر، وهذ على معنى ما ذكرنا، ويكون ذلك الوقت مندوبًا فيه إلى الدعاء، كما ندب إلى الدعاء عند الزوال، وعند النداء، وعند نزول غيث السماء، وما كان مثله من الساعات المستجاب فيها الدعاء، والله أعلم.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره أبو عمر رحمه الله من تأويل "ينزل ربنا" بتنزل رحمته الخ فيه نظر، إذ يرده قوله في تمام الحديث، "مَنْ يدعوني فأستجيب له؟ الخ"، فإن الرحمة لا يمكن أن تقول: من يدعوني الخ، وكذا ما نقله عن مالك في هذا المعنى يُردُ بمثل ما رَدَّ به أبو عمر نفسهُ على مجاهد في تفسيره قولَه -تَعَالَى-: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة: ٢٣] بقوله: إلى ثواب ربها.
فقد ردّ عليه بما حاصله: قول مجاهد هذا مردود بالسنَّة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأقاويل الصحابة, وجمهور السلف، وهو عند أهل السنة مهجور، والذي عليه جماعتهم ما ثبت في ذلك عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وليس من العلماء أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومجاهد، وإن كان أحد المقدمين في العلم بتأويل القرآن، فإن له قولين في تأويل آيتين، هما مهجوران عند العلماء، مرغوب عنهما:
أحدهما هذا، والآخر قوله في قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا