- نواقض الوضوء (النواقض في الأجسام هي ما يبطل تأليفها، وفي المعاني ما يخرجها عن إفادة المقصود منها، والوضوء أمر معنوي يقصد منه استباحة الصلاة ونحوها من القربات والعبادات فناقضه هو ما يجعله غير صالح لإفادة تلك العبادات والقيام بها)
-١- خروج شيء من أحد السبيلين، والشيء الذي يخرج من أحد السبيلين قد يكون عيناً أو ريحاً طاهراً أو نجساً، جافاً أو رطباً معتاداً أو غير معتاد، سواء كان قليلاً أو كثيراً مثل أن يكون بولاً أو غائطاً أو دم باسور أو مذياً (المذي ماء أبيض رقيق يخرج عند الشهوة من غير دفق، ولا يعقبه فتور، وربما لا يشعر بخروجه) أو ودياً (الودي ماء أبيض كدر ثخين لا رائحة له، يعقب البول وقد يسبقه، وقد يخرج عند حمل شيء ثقيل) وأدلة الانتقاض بكل خارج من السبيلين صحيحة ظاهرة:
فأما الغائط والبول فبِنَص الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط ... فلم تجدوا ماء فتيمموا} (النساء: ٤٣، والغائط: المكان المنخفض حيث يقضي الإنسان حاجته، فأطلق الغائط وأراد ملزومه وهو الأمر المحوج إلى ذاك المكان أي البول والغائط)
وأما الريح فلحديث أبو هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ) قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط" (البخاري ج ١ كتاب الوضوء باب ٢/١٣٥) وغيره من الأحاديث، وهي عامة تتناول الريح من قبلي الرجل والمرأة ودبريهما.
وأما المذي فلما روى علي رضي الله عنه قال: "كنت رجلاً مذاء، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: _ (فيه الوضوء) " (البخاري ج ١ / كتاب الوضوء باب ٣٣/ ١٧٦)
وأما الودي فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "الودي الذي يكون بعد البول فيه الوضوء" (البيهقي ج ١ / ص ١١٥) وأما ما يندر خروجه (كالدودة والحصاة) فلأنه خارج من السبيل فينقض كالريح والغائط، ولأنه إذا وجب الوضوء بالمعتاد، والذي تعم به البلوى فغيره أولى. وإن انسد المخرج المعتاد وانفتح دون المعدة مخرج انتقض الوضوء بالخارج منه، وإن انفتح فوق المعدة لم ينتقض.
أما الداخل من أحد السبيلين - كالتحميلة والقطنة والمسبار وغير ذلك- فلا ينقض الوضوء حين يخرج، فلو أدخلت الإصبع مع التحميلة مثلاً ثم خرجت انتقض الوضوء لخروج الإصبع لا لدخول التحميلة، ولو كان على الإصبع حائل.
-٢- النوم غير ممكن من مقعدته من الأرض ونحوها يقيناً، على أي هيئة كان، لحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكاء (ما تستر به القربة ونحوها بمعنى الرباط) السه (السه من أسماء الدبر) العينان، فمن نام فليتوضأ (أبو داود ج ١ كتاب الطهارة باب ٨٠/٢٠٣) وليس النوم عينه حدثاً، لكن من نام استرخت عضلاته، فإن كان غير ممكن مقعدته خرج الريح منه غالباً، لوا ينقض الوضوء بالنوم الخفيف (ضابطه سماع الكلام دون تمييز، أما إن سقط من يده ما يحمله - كالمسبحة - لم يكن نوماً خفيفاً إذ استخرت به العضلات) الذي هو أقرب إلى مجرد النعاس، ولا بالنوم قاعداً ممكناً من مقعدته من الأرض (لا يكون التمكين المعتبر إلا بالجلسة المعروفة بالتربع، أما جلسات الصلاة بأنواعها المعروفة فليس فيها تمكين، لذا من نام ف جلوس الافتراش أو الإقعاء المسنون - وهو أن يفرش رجليه ويضع ألييه على قدميه - أو التورك انتقض وضوؤه) لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون " أبو داود ج ١ / كتاب الطهارة باب ٨٠/٢٠٠)
-٣- زوال العقل بجنون أو غيره كسكر أو إغماء. لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين في مرضه، فيما روت عائشة أنه أغمي عليه ثلاث مرات ثم اغتسل. حمل القاضي عياض الغسل هنا على الوضوء من حيث أن الإغماء ينقض الوضوء) فقوله تخفق رؤوسهم دليل على نومهم قعوداً.
ولأنه إذا انتقض وضوؤه بالنوم فلأن ينتقض بهذه الأسباب أولى (قاله صاحب المهذب)
-٤- التقاء بشرتي الرجل والمرأة بلا حائل بينهما وهو ناقض لوضوء اللامس والملموس، لقوله تعالى: {أو لامستم النساء) (النساء ٤٣) وروى مالك في موطئه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: "قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة فمن قبل امرأته أو حسها بيده فعليه الوضوء" (الموطأ ج ١ / كتاب الطهارة باب ١٦/٦٤)
والمرأة هنا تعني الزوجة، أو أية امرأة من غير محارمه إذا بلغت حداً يشتهى، ولا فرق بين أن يكون الرجل سليما وبين أن يكون خصياً (مَن سُلَّتْ خُصْيَتَاه أي قُطِعَت) أو عِنِّيْنَاً (العنين بوزن سِكِّين: من لا يأتي النساء عجزاً) أو ممسوحاً (ممسوح: إذا سُلِتَتْ [سُلَّتْ؟؟] مذاكيره) بشرط أن يبلغ حداً يشتهى وإن لم يكن بالغاً. وينقض الوضوء بالالتقاء ولو كان أحدهما مكرهاً، وعمداً وقع الالتقاء أم سهواً، وبشهوة أو بدونها، ولو كان أحدهما ميتاً أما الميت في هذه الحالة فلا ينقض وضوؤه. ولا ينقض لمس عضو منفصل عن الجسم، سواء كان هذا العضو لامساً أو ملموساً ولا ينقض لمس صغيرة أو صغير لا يشتهى، كما لا ينقض لمس الشعر أو السن أو الظفر من كل أحد، ولا لمس المحارم بالنسب والرضاع والمصاهرة
ولو ازدحم رجل ونساء فوقعت يده على بشرة لا يعلم أهي بشرة امرأة أم رجل لم ينتقض، وكذا لو شك هل لمس محرماً أو أجنبية، أو هل لمس شعراً أو بشرة لم ينتقض لأن الأصل بقاء الطهارة
-٥- مس قبل الآدمي أو حلقة دبره ببطن الكف وبطن الأصابع، لحديث بُسْرَة بنت صفوان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ) (الترمذي ج ١ أبواب الطهارة باب ٦١/ ٨٢)
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ) (البيهقي ج ١ ص ١٣٢) قال الشوكاني: "قد عرفت أن الفرج يعم القبل والدبر" (نيل الأوطار ج ١ ص ٢٥٠)
وينتقض وضوء الماس ذكراً أو أنثى - كما مر في الحديث - من نفسه أو غيره، كبيراً كان أو صغيراً، ولو ابن يوم عمداً أو سهواً، وسواء كان الممسوس حياً أو ميتاً، وكذلك ينقض الوضوء مس محل الجب (مكان قط الذكر) ومس الذكر المقطوع، إلا ما قطع منه بالختان فمسه لا ينقض الوضوء، كمالا ينقضه مس فرج البهيمة، ولا المس بظاهر الكف وبرؤوس الأصابع وجوانبها، ولا المس بغير الكف من الأعضاء، إنما ينقض إذا كان المس ببطن الكف أو ببطون الأصابع (والضابط في معرفة بطن الكف والأصابع أن تضع إحدى الراحتين على الأخرى مع ضم الأصابع بعضها إلى بعض فما استتر منها فهو بطن الكف) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة) (البيهقي ج ١ ص ١٣٣) قال الشافعي: "والإفضاء باليد لا يكون إلا ببطنها" أما الممسوس فلا ينتقض وضوؤه.
والشاك في الطهارة أو الحدث يبين على اليقين، سواء حصل ذلك في الصلاة أو في غيرها، لأن اليقين لا يزال بالشك، فعن سعيد وعباد بن تميم عن عمه: "شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أن يجد الشيء في الصلاة، قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً) " (مسلم ج ١ كتاب الحيض باب ٢٦/٩٨، ومعنى يجد ريحاً أن يعلم ويتحقق خروجه وليس المراد شمه) ومن القواعد المتكررة في الفقه أنا إذا تيقنا وجود شيء أو عدمه ثم شككنا في تغيره وزواله عما كان عليه استصحبنا حكم اليقين وطرحنا حكم الشك إلا في مسائل قليلة معروفة في نجاسة الماء، فلو تيقن أنه متوضئ ثم شك هل انتقض وضوؤه، فلا يتوضأ لأن الأصل أنه متوضئ، أما لو تيقن الحدث ثم شك هل توضأ بعده أم لا فليتوضأ لأن الأصل الحدث
ولو توضأ احتياطاً - عند الشك بالحديث- ثم بان أنه كان محدثاً لم يجزئه ذلك الوضوء لأنه توضأ متردداً في النية، إذ ليس هو جازماً بالحدث، والتردد مانع من الصحة في غير الضرورة (قولنا في غير الضرورة احتراز ممن نسي صلاة من الخمس، فإنه يصلي الخمس وهو متردد في النية، لكن يعفى عن تردده، لأن مضطر إلى ذلك)