- ١- النجاسات المغلظة: وهي الكلب والخنزير، وما تولد منهما، أو من أحدهما أي مع حيوان طاهر، لأن كل الحيوانات طاهرة ما عداهما، حتى لو كان كلب صيد فإنه نجس، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب) (مسلم ج ١ / كتاب الطهارة باب ٢٧/ ٩١، وولغ أدخل لسانه في المائع وحركه، ولا يقال ولغ لسوى السباع)
ولقوله تعالى: {إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً، أو لحم خنزير، فإنه رجس} (الأنعام: ١٤٥، والرجس في اللغة النجس)
وكذا مني الكلب والخنزير، وما تولد منهما أو من أحدهما، أما مني الآدمي وسائر الحيوانات فطاهر (أما عند السادة الحنفية فالمني عامة نجس، لذلك يستحب غسله جمعاً بين النصوص، وخروجاً من خلاف العلماء) لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب قال: (إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة) " (الدارقطني ج ١ /ص ١٢٤ والإذخرة: واحدة الإذخر، وهي الحشيش طيب الريح) وعن علقمة والأسود: "أن رجلاً نزل بعائشة رضي الله عنها فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة: إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً فيصلي فيه" (مسلم ج ١ / كتاب الطهارة باب ٣٢/١٠٥)
-٢- النجاسة المخففة: هي بول الصبي دون السنتين، الذي لم يأكل الطعام
-٣- النجاسات المتوسطة: وهي بقية النجاسات، ونبينها فيما يلي:
(١) كل مسكر مائع. من ذلك الخمرة ولو محترمة، والمحترمة هنا هي ما عصر من العنب بقصد الخل (يكون عصير العنب نجساً في فترة تخمره فقط، إلى أن يصبح خلاً فيطهر) أما غير المحترمة فهي ما عصر من العنب بقصد الخمر، ودليل نجاستها قوله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} (المائدة: ٩٠) وما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) (مسلم ج ٣ /كتاب الأشربة باب ٧/٧٤) ومنه النبيذ الذي يحصل عليه بنقع المواد السكرية كالتمر والشعير، ففي النقع يمر بمرحلة التخمر ويصبح نبيذاً فهذا نجس لأنه شراب فيه شدة مطربة، فكان نجساً كالخمر (أما ما لم يشتد، ولم يصر مسكراً، كالماء الذي وضع فيه حبات تمر أو زبيب أو مشمش أو عسل أو نحوها، فصار حلواً، فهذا ليس بنجس)
ومنه الكحول، فهو نجس لكونه مسكراً، إلا أنه إذا أضيف إلى الطيب لأجل إصلاحه (تمديده) دون أن يفسد، فيعفى عنه.
ويخرج بقولنا المائع، غير المائع، فهو ليس بنجس، مثل البنج، والحشيش، فليسا نجسين ولو كانا محلولين، لأن أصلهما غير مائع وإن كانا محرمين لتغييب العقل.
(٢) الميتة كلها، ودليل نجاستها قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} (المائدة: ٦) ويستثنى منها أربعة: الآدمي، لقوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} (الإسراء: ٧٠) والمكرم لا يكون إلا طاهراً أما قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} (التوبة ٢٨) فالمراد منه نجس العقيدة، أما ميتتهم فطاهرة وكذلك السمك والجراد، لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحلت لكم ميتتان ودَمَان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال) (ابن ماجة ج ٢ / كتاب الأطعمة باب ٣١/٣٣١٤) والصيد إذا قتله الكلب أو السهم بشرطه (للصيد شروط ينظر فيها في الأبحاث المتعلقة بها) فهذه ميتات طاهر لحمها وجلدها.
والمأكول من ميتات البحر له حكم السمك من حيث طهارة ميتته، أما ما لا يؤكل كالضفدع فميتته نجسة.
أما جنين ما يؤكل لحمه، إذا ذبحت أمه وخرج ميتاً بعدئذ، فهو طاهر، لأن ذكاة أمه ذكاة له.
والعضو المنفصل من الحيوان الحي كميتته فالعضو المنفصل من الشاة في حال حياتها نجس، لما ورد عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة) (أبو داود ج ٣/كتاب الصيد باب ٣/٢٨٥٨) أما القطعة المنفصلة من السمك أو الجراد فطاهرة.
(٣) شعر الميتة، سوى الآدمي، وشعر غير المأكول المنفصل عنه حال الحياة أو بعد الممات (وعليه ففرو غير مأكول اللحم لا تجوز الصلاة عليه ولا به، سواء جزء منه حال الحياة، أو بعد الذبح أو الممات ولا يطهر بدباغ الجلد) مثل شعر البغل والهرة، ويعفى عن قليله، أما المتصل بالحيوان الحي فيبقى تابعاً للحيوان، والحيوانات، سوى الكلب والخنزير، كلها طاهرة ما كانت حية، فأوبارها وشعورها طاهرة أيضاً ما دامت متصلة بها، أما الذي يؤكل لحمه فشعره وريشه وصوفه ووبره، كل أولئك طاهر، سواء جز من الحيوان حال الحياة، أو بقي عليه بعد الذبح، أما إن مات فهذه كلها نجسة، ودليل طهارة ما يتبع الحيوانات المأكولة اللحم، قوله تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين} (النحل: ٨٠)
(٤) جلود الميتة كلها، باستثناء جلود الميتات الأربعة التي ذكرنا، وكذلك جلود ما لا يؤكل لحمه ولو ذبح، فهي نجسة، أما ما يؤكل لحمه، كالخروف إذا ذبح، فجلده طاهر
(٥) ما لا يؤكل لحمه إذا ذبح
(٦) لبن ما لا يؤكل لحمه، إلا الآدمي، أما لبن ما يؤكل لحمه فطاهر، لقوله تعالى: {لبناً خالصاً سائغاً للشاربين} (النحل: ٦٦) إلا ما كان في ضرع الميتة فإنه ينجس بملاقاة النجاسة كاللبن في الإناء النجس.
(٧) العظم والسن والقرن والظلف (الظلف: للبقر والشاة والظبي وشبهها بمنزلة القدم لنا) والظفر من غير المأكول، ومن ميتة المأكول. والعاج المتخذ من عظم الفيل نجس كنجاسة غيره من العظام، ولا يجوز استعماله من شيء رطب لأنه ينجسه، ويكره استعماله في الأشياء اليابسة، وعليه لو اتخذ المرء مشطاً من عظم الفيل فاستعمله في شعره أو لحيته، فإن وجدت رطوبة في أحد الجانبين تنجس شعره، وإلا فلا، لكن يكره، ولو توضأ من ماء قليل في إناء مضبب بالعاج لم يجز إن أصاب الماء تضبيبه.
(٨) الدم المسفوح، بدليل قوله تعالى: {أو دماً مسفوحاً ... فإنه رجس} (الأنعام: ١٤٥) إلا اليسير عرفاً فيعفى عنه، والدم الخارج من بعض البثور يعتبر قليلاً، ولو بلغ قدر رأس الإصبع، وما علق على اللحم والعظم من الدم فهو نجس معفو عنه، ما لم يخالطه أجنبي، لذلك ينبغي عدم غسله، بل يكفي مسحه بخرقة غير مبتلة، فإن غسل وجب تكرار غسله حتى يزول أثر الدم من الغسالة
(٩) القيح، لأنه يد مستحيل إلى فساد، وأما ماء القروح فإن كان له رائحة فهو نجس وإلا فطاهر.
(١٠) الأبوال (باستثناء بول الصبي دون السنتين، والذي لم يأكل الطعام، فقد تقدم أنه نجاسة مخففة) والغائط والأرواث، والمذي والودي، وكذلك كل مائع يخرج من أحد السبيلين، سوى المني، ورطوبة فرج المرأة الخارجة من أدنى الرحم، والعلقة والمضغة، فهذه كلها طاهرات.
أما الأبوال فثلاثة: بول الآدمي الكبير، وبول الحيوانات المأكولة، وبول الحيوانات غير المأكولة، وكلها نجسة:
أما الأول فلحديث المعذبين في القبر، وأما الثاني والثالثة، فلقوله تعالى: {ويحرم عليهم الخبائث} (الأعراف: ١٥٧) والعرب تستخبث هذا. وأما ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في حدث أنس رضي الله عنه أنه أمر الذين اجتووا (اجتووا: أي أصابهم الجوى، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول) في المدينة بشرب أبوال إبل الصدقة (انظر البخاري ج ٥/ كتاب الطب باب ٦/٥٣٦٢) فذاك كان للتداوي، ومعروف أنه جائز بجميع النجاسات سوى الخمر.
وأما الغائط فنجس كذلك بالإجماع، ولا فرق بين غائط الصغير والكبير، وكذلك الأرواث من كل حيوان، حتى السمك والجراد والذباب، وذرق الطيور، كلها نجسة، لحدث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: (هذا ركس) " ولأنه خارج من الدبر أحالته الطبيعة، فكان نجساً كالغائط.
قال النووي: "إذا عمت البلوى (أراد ذرق الطيور، كما في صحون المساجد) وتعذر الأحتراز منه، يعفى عنه، وتصح الصلاة".
وأما المذي والودي فنجسان بالإجماع، ولقوله لعلي رضي الله عنه، وقد سأله عن المذي: (رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة) (أبو داود / كتاب الطهارة باب ٨٣/٢٠٦) ولأنهما خارجان من سبيل الحدث.
(١١) الماء المتغير لونه من فم النائم، إذا تحقق أنه من المعدة، أما إذا ابتلي به شخص فيعفى عنه فيحق نفسه، ويلتحق بدم البراغيث وسلس البول والاستحاضة مما يعفى عنه للمشقة. أما غير المتغير لونه أو ريحه فهو طاهر، وكذا الذي يخرج من الصدر أو الحلق أو الدماغ فليس بنجس، مثال ذلك النخامة والبلغم واللعاب، فإن اشتبه الأمر فلم يعرفه استحب غسله احتياطاً
(١٢) القيء، ولو كان من رضيع، ولو لم يتغير (أما عند السادة الحنفية فإذا لم يكن ملء الفم فليس بنجس، وعند المالكية إذا لم يتغير الحليب الخارج من فم الرضيع فليس بنجس، لذا في حال الضرورة نلجأ إلى التقليد، والخلاف قائم عند الشافعية بالنسبة لثياب أمه وثديها خاصة، والعفو موجود)
(١٣) الإنفحة (الإنفحة: شيء يستخرج من بطن الجدي الرضيع أصفر، فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن، فإذا أكل الجدي فهو كرش) إن أخذت من السخلة (السخلة: ولد الغنم من الضأن والمعز ساعة وضعه، ذكراً كان أو أنثى) بعد موتها، أو بعد ذبحها، وقد أكلت غير اللبن، أما إن أخذت من سخلة ذبحت قبل أن تأكل غير اللبن فطاهرة.
(١٤) دخان النجاسة إذا أحرقت