- ولد الشافعي في العصر العباسي وعاش فيه، وكانت الفترة التي استغرقت حياة الشافعي من ذلك العصر هي فترة استقرار الأمر لهذه الدولة، وتمكين سلطانها، وازدهار الحياة الإسلامية فيها وقد امتاز ذلك العصر بميزات كان لها الأثر الأكبر في إحياء العلوم ونهضة الفكر الإسلامي، حتى أنه يعتبر من أزهى العصور الإسلامية فكراً وعلماً. ففيه التقت الحضارات القديمة كلها وامتزجت تحت ظل الدين الجديد، ونشطت حركة الترجمة، وتولهاها الخلفاء العباسيون بالتنمية والتشجيع. وهو عصر الخصب العقلي المستقل المنتج، فهؤلاء المحدثون يشمرون عن ساعد الجد لتمييز الصحيح في المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الفرق المختلفة، كل فرقة تجرد سيف الحجة لتشق الطريق لآرائها، والشافعي يخالطها جميعا، ويناقش أصحابها، ويقبس من علمائها ما يراه صالحا. وهؤلاء العلماء من فقهاء ومحدثين ينتقلون في البلاد طلبا للعمل، فيلتقي بهم الشافعي، وخصوصا في البيت الحرام كان مؤتمراً علمياً ثم ها هم أولاء فقهاء الرأي وفقهاء الحديث يلتقون في مكان واحد ويتناظرون طلبا للحقيقة، فيأخذ كل مما عند الآخر. ثم هذا الفقه يجمع في الكتب فيرى الفقيه آراء غيره مدونة مبسوطة فيقرؤها ويدرساها وينقدها ويقبل ما يراه أقرب للكتاب والسنة.
وهكذا جاء الشافعي في وسط هذا اللجب العلمي القوي، وأخذ من تلك الثروة العلمية العظيمة، وبقوة مواهبه ودراساته وحسن اتجاهاته خرج على الناس بآرائه ومذهبه