٢١- ومن سنن الصلاة الخشوع، وهو حضور القلب، وسكون الجوارح، وأن يتدبر القراءة والأذكار. لقوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} (المؤمنون: ٢) ولحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة) (مسلم ج ١/ كتاب الطهارة باب ٦/١٧) ويندب الاستغفار والذكر عقب الصلاة، ودليله ما ورد عن ثوبان رضي الله عنه موله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام) " (مسلم ج ١/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب ٢٦/١٣٥) ويسر به، أما الإمام الذي يريد تعليم الحاضرين فيجهر به ويقبل على المأمومين عاجلاً يساره إلى المحراب.
ويندب رفع اليدين بالدعاء ثم مسح الوجه بهما.
ومن الأدعية المأثورة ما رواه البخاري من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) (البخاري ج ١ / كتاب صفة الصلاة باب ٧١/٨٠٨) ومنها: اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، وسلامة من كل إثم) (الترمذي ج ٢/ أبواب الصلاة باب ٣٤٨/٤٧٩) ومنها (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) (أبو داود ج ٢/ كتاب الصلاة باب ٣٦١/١٥٢٢) وعن سعد رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن - أي من الأشياء المذكورة في هذه الكلمات - دبر الصلاة: (اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر) " (البخاري ج ٣/ كتاب الجهاد باب ٢٥/٢٦٦٧)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قلنا لأبي سعيد هل حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً كان يقوله بعدما سلم؟ قال: نعم، كان يقول: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) " (رواه الطبراني، مجمع الزوائد ج ٢/ص ١٤٧)
ويندب حمد الله في أول الدعاء، والصلاة على النبي في أوله وآخره، لما روى الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفاً قال: "إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم" (الترمذي ج ٢/ أبواب الصلاة باب ٣٥٢/٤٨٦) ويستحب للمصلي منفرداً أو مأموماً أن يطيل الذكر بعد الصلاة، ويكثر الدعاء بعد المكتوبة رجاء الإجابة.
أما الإمام فيندب له الانصراف عقب سلامه إذا لم يكن ثمة نساء لحديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت" كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم" (البخاري ج ١/ كتاب صفة الصلاة باب ٧٣/٨١٢) وذلك باستثناء ما بعد الصبح وبعد العصر، فإن الجلوس أفضل في هذين الوقتين إلى طلوع الشمس وغروبها، لما روي عن أنس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تامة تامة تامة) " (الترمذي ج ٢/ أبواب الصلاة باب ٤١٢/٥٨٦)
ويمكث المأموم حتى يقوم الإمام، وينصرف جهة حاجته، وإلا ففي جهة يمينه.
ويندب الفصل بين السنة والفرض بذكر أو انتقال، وهو أفضل.
كما يسن للمرء أن يصلي إلى سترة يدنو منها، من جدار أو سارية أو شاخص ينصبه، لحديث سَهْل بن أبي حَثْمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته) (النسائي ج ٢/ ص ٦٢)
ويستحب ألا يقل طول السترة عن ثلثي ذراع (الذراع المقصود هو الذراع الهاشمي، وهو من المرفق إلى رؤوس الأصابع مبسوطة) أما عرضها فلا ضابط فيه، بل يكفي الغليظ والدقيق لحديث أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجزئ من السترة مثل مؤخرة الرحل ولو بدقة شعرة) (المستدرك ج ١/ص ٢٥٢، ومؤخرة الرحل هي الخشبة التي يستند إليها الراكب من رحل البعير، والرحل للبعير كالسرج للفرس) ومؤخرة الرحل هي قدر عظم الذراع، وهو نحو ثلثي ذراع، كما يستحب ألا تزيد المسافة بين المصلي والجدار أو الشاخص على ثلاثة أذرع لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فصلى وبينه وبين الجدار نحو من ثلاثة أذرع (انظر البخاري ج ٢ كتاب الحج باب ٥١/١٥٢٢)
فإن لم يجد بسط طاهراً يصلي عليه، أو خط خطاً وفقاً للمسافة المذكورة، روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطاً، ثم لا يضره ما مر أمامه) (أبو داود ج ١/ كتاب الصلاة باب ١٠٣/٦٨٩)
ويجوز له الاستتار بالدابة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَعرِض راحلته وهو يصلي إليها" (مسلم ج ١/ كتاب الصلاة باب ٤٧/٢٤٧، ويعرض راحلته أي يجعلها معترضة بينه وبين القبلة)
ويحرم المرور بين المصلي السترة، حتى يحرم المرور بين المصلي والخط، ويستحب للمصلي دفع من أراد الاجتياز بين يديه والسترة لحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان) (البخاري ج ١ / كتاب سترة المصلي باب ١٠/٤٨٧) وعن أبي جُهَيم الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه (أي ماذا عليه من الإثم) لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه) قال أبو النضر: "لا أدري قال أربعين يوماً أو شهراً أو سنة" (مسلم ج ١/ كتاب الصلاة باب ٤٨/٢٦١) لكن لا تبطل صلاته بمرور من مر وما مر على الإطلاق (والأحاديث الواردة في قطع المرأة، والدابة والكلب، للصلاة بعضها ضعيف، وصحيحها محمول على قطع الخشوع لا الصلاة نفسها، لصحة الأحاديث المعارضة.)
أما المرور بين يدي المصلي لسد فرجة في الصف المتقدم (صفوف المصلين كل صف ستر لما بعده، فلا يجوز أن يمر بين الصفين إلا في الحالة التي ذكرنا) فلا شيء فيه، ومثله المرور من بعد الشاخص، لما في حديث أبو هريرة رضي الله عنه المتقدم (ثم لا يضره ما مر أمامه) وكذلك المرور بين يدي المصلي إذا صلى في قارعة الطريق غير متخذ سترة.