للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢- صلاة التطوع: وهو النفل المطلق غير المقيد بوقت ولا سبب. ولا حصر له، ولا لعدد ركعات الواحدة منه، وله أن ينوي عدداً وله ألا ينويه بل يقتصر على نية الصلاة. فإذا شرع في تطوع ولم ينو عدداً فله أن يسلم من ركعة، وله أن يزيد فيجعلها ركعتين أو ثلاثاً أو عشراً أو ألفاً أو غير ذلك، وله أن ينقص عما أحرم به، بشرط تغير النية قبل الزيادة والنقص. ولو صلى عدداً لا يعلمه ثم سلم صح.

ثم إن تطوع بركعة فلا بد من التشهد عقبها، وإن زاد عليها ولو ألفاً، بإحرام واحد وسلام فله أن يقتصر على تشهد واحد في آخر الصلاة، وهذا لا بد منه على كل حال، أو أن يتشهد في الأخيرة وما قبلها فقط، أو يتشهد في كل ركعتين، أو في كل أربع أو ثلاث أو ست، أو غير ذلك. عن عائشة رضي الله عنها" (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها" (مسلم ج ١ / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب ١٧/١٢٣) وفي رواية عنها" ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يُسمعُنا ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم ... " (مسلم ج ١/ كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب ١٨/١٣٩)

والأفضل أن يسلم في كل ركعتين، في نوفل الليل والنهار، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) (أبو داود ج ٢/ كتاب الصلاة باب ٣٠٢/١٢٩٥)

والتطوع بالليل أفضل منه بالنهار، وأفضله التهجد (وأصل التهجد الصلاة في الليل بعد النوم) لقوله تعالى في وصف المؤمنين: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون} (الذاريات: ١٧) ولأنها تفعل في وقت غفلة الناس وتركهم الطاعات، ولأن الصلاة بعد النوم أشق.

وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث عليها، منها حديث أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) (الترمذي ج ٢/ أبواب الصلاة باب ٣٢٤/٤٣٨)

ومنها ما روى جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسال الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة) (مسلم ج ١/ كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب ٢٣/١٦٦) وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بقيام الليل فإنه دَأب الصالحين، وهو قربة إلى ربكم، ومَكْفرَة للسيئات، ومنهاة للإثم) (الترمذي ج ٥/ كتاب الدعوات باب ١٠٢/٣٥٤٩)

وصلاة الليل سنة مؤكدة، وأفضلها ما كان وسط الليل لمن قسم الليل أثلاثاً (وكل ما كان بعد العشاء فهو من الليل، ولو كان العشاء مجموعاً جمع تقديم) لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويصلي ثلثه، وينام سدسه) (ابن ماجة ج ١/ كتاب الصيام باب ٣١/١٧١٢ وإسناده ضعيف لكن يعمل به لأن في فضائل الأعمال) وتكون صلاة الليل إما نفلاً مطلقاً، أو وتراً أو قضاء، أو نذراً.

ما يسن للمتهجد:

-١- القيلولة: وهي النوم أو الراحة قبل الزوال، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، وبالقيلولة على قيام الليل) (ابن ماجة ج ١/ كتاب الصيام باب ٢٢/١٦٩٣)

-٢- ينبغي له أن ينوي عند نومه قيام الليل نية جازمة ليحوز ما في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى أصبح كتب له م نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه عز وجل) (النسائي ج ٣/ص ٢٥٨)

-٣- أن يمسح النوم عن وجهه عند اليقظة، وأن يتسوك وينظر في السماء، وأن يقرا الآيات التي في آخر آل عمران: {إن في خلق السموات والأرض ... } (آل عمران: ١٩٠) لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات- وهو صغير - عند ميمونة خالته، وفيه: "فنام - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- حتى انتصف الليل أو قريباً منه، فاستيقظ يمسح النوم عن وجهه ثم قرأ عشر آيات من آل عمران" (البخاري ج ١/ كتاب الوتر باب ١/٩٤٧)

-٤- يستحب أن يوقظ أهله وامرأته إذا استيقظ لقيام الليل، والمرأة كذلك، لحديث أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت من الليل فصلة وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت فيوجهه الماء) (أبو داود ج ٢/ كتاب الصلاة باب ٣٠٧/١٣٠٨) كما يستحب ذلك لغيرهما أيضاً.

-٥- أن يفتتح تهجده بركعتين خفيفتين، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين" (مسلم ج ١/ كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب ٢٦/١٩٧)

-٦- أما القراءة فله أن يجهر بها، وله أن يخفض، وله أن يتوسط، للأحاديث الواردة في ذلك كله، ومنها: حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال: "كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يرفع طَوْراً ويخفض طوراً" (أبو داود ج ٢/ كتاب الصلاة باب ٣١٥/١٣٢٨) وحديث أبي قتادة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه: (يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك) قال: قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله قال: وقال لعمر رضي الله عنه: (مررت بك وأنت تصلي رافعاً صوتك) قال فقال: يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئاً) وقال لعمر: (اخفض من صوتك شيئاً) " (أبو داود ج ٢/ كتاب الصلاة باب ٣١٥/١٣٢٩)

-٧- أن يكثر من الدعاء والاستغفار، لقوله تعالى {وبالأسحار هم يستغفرون} (الذاريات: ١٨)

-٨- أن يترك الصلاة إذا نعس فيها ويرقد حتى يذهب عنه النوم لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر فيسب نفسه) (البخاري ج ١/ كتاب الوضوء باب ٥٢/٢٠٩)

ما يكره للمتهجد:

-١- ترك تهجد اعتاده، أو نقصه لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل) (البخاري ج ١/ كتاب التهجد باب ١٩/١١٠١)

لذا يستحب ألا يعتاد من قيام الليل إلا قدراً يغلب على ظنه بقرائن حاله أنه يمكن الدوام عليه مدة حياته لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان عمله ديمة" (البخاري ج ٢/ كتاب الصوم باب ٦٣/١٨٨٦. ديمة: أي دائماً)

-٢- أن يقوم كل الليل دائماً، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) (في حديث رواه البخاري ج ٥/ كتاب النكاح باب ١/٤٧٧٦ عن أنس رضي الله عنه) ولأنه يضر بالعين وسائر البدن، ولو استوفى في النهار ما فاته في الليل لضيع كثيراً من مصالح دينه ودنياه.

أما بعض الليالي فلا يكره إحياؤها كلها، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" (البخاري ج ٢/ كتاب صلاة التراويح باب ٦/١٩٢٠، وشد مئزره: قد يراد بهذا الجد في العبادة، كما يقال: شددت لهذا الأمر مئزري، أي تشمرت له، وقد يراد به اعتزال النساء) .

<<  <  ج: ص:  >  >>